رفيقتي

  • 36
الفتح - رفيقتي

في ظل كل هذه المعارك الطاحنة في الداخل والخارج، ومع خضم المسؤوليات وكثرة الانشغالات، يصاب القلب بوخزات وزفرات ونغزات تؤرق عليه حياته، بل قد تفسد عليه دينه عياذًا بالله إن كان فيه رقة، ولم يكن على الدرب الصحيح.

ولعل النساء لطبيعة حالهن ورقة قلوبهن وشدة العاطفة والتأثر بكل حالة، قد ينصرفن عن أشغالهن ويتلبسن بحالة من البؤس والقنوط، وقد يمتد الحال ببعضهن إلى العزلة والدخول في حالة من اليأس، وانقطاع الأمل، ولكن هذه الحالة لاتنفع ولا تجدي ولا تشفي وليست حلًا، لأننا خُلقنا في الحياة الدنيا على علتها نعيش يصيبنا فيها الهموم والكروب، فنحزن ونتأثر ولكن لايمنع هذا من الرضا، ومن كانت ذات قوة وإرادة وحسن ظن بالله حوّلت كل هذا الألم والوجع إلى عمل، فلا يصح بحال أن يصيبك مصيبة أختي الغالية فتنعكفي على حالك، منقطعة عمن حولك، منتظرة الخلاص مُدعية أنك راضية ولكنك حزينة، ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم قدوة مات ابنه إبراهيم فحزن وبكى ولكنه كان راضيًا، واستمر في عمله ودعوته، كان عنده هم يشغله، كانت عنده مهام جسام، فليس هناك وقت للركون والعزلة، والبكاء على الأطلال حتى نتحسس الرأفة من هذا والمساعدة من تلك، ونتكفف مواساة الناس.

فإن كنت أخيتي تستطيعي الإنعزال لحالك فترة لترتيب أولياتك واسترجاع عافيتك، والتعلم مما أصابك، ثم العودة من جديد قوية بالله، حسنة الظن به، فافعلي، ولا فلا تتركي نفسك للشيطان يتخبطك، ويصب منك، كوني رفيقة لأخت في الله تشد من أزرك ولا تجعلي حياتك مادة للنقاش، اشكي همك وتعبك لله، ثم عاودي حياتك واجعلي رفقتك الصالحة طريقًا لك إلى الجنة، انشغلي بعلم نافع، انشغلي بعمل صالح، كفي عنك ثرثرة من يزعجك، من يشغلك بالهموم، من يجعلك في حالة صراع دائم مع نفسك، حتى وإن كانت المعافاة أن تغلقي الباب مع من كانت مجالسته ومناقشته جالبة للهم والتعب والجدال، لا وقت لكل هذا، لاتقاطعي أحد ولكن أعطِ لكل أحد قدره، وقته بما يستحقه، واجعلي لنفسك أثر طيب مع رفقة صالحة، أو رفيقة طيبة تذكرك بالله، يجمعك معها عمل من أعمال البر، عمل فيه نفع وصلاح، يعود عليك وعلى من حولك بالخير.

غاليتي العمر ليس فيه وقت لمزيد من الصراعات ولا الجدال ولا النقاشات التي تزيد الهموم فوق الهموم، تخففي من جلد الذات وتحمل النفس مالا تطيق لأجل كسب رضا الناس، أو لخوف من اللوم أو العتاب، انفضي عنك هذه الحساسية المفرطة التي توقعك في أزمات، توجهي إلى الله بقلبك، اعرفي أولوياتك وحدديها، أنت أم فمسؤولة عن بيت وزوج وأولاد، انت ابنة، أنت أيًا كان وضعك ومع من تعيشين فأنت عليك واجبات ومهام وجب عليك تحديدها، وعندما تنتهي منها، ارفعي رأسك وانظري إلى هذا العالم الواسع بكل مافيه إن كان عندك قدرًا من وقت وجهد واستطعت أن تخدمي من غير إفراط مؤذي لك فافعلي، وإلا فلا.

نعم، الله سبحانه وتعالى لم يكلفنا مالا نطيق، فلم نكلف نحن أنفسنا فوق طاقتنا وقدرتنا؟! ثم نعود إلى نفس الدائرة المفرغة وندور في رحاها، فلا نحن أنجزنا مهامنا وما سنسأل عنه حقًا، ولا نحن استطعنا أن ننفض عنا مالا يشغلنا ولا يوجب علينا فعله.

رفيقتي وقتك هو زادك، طاقتك هي ماتبلغك مقصدك، فلا تتنازلي عن حاجتك لأجل إرضاء الجميع، وإن لم تجدي رفيقة، فكوني مع الله، وارفقي بنفسك.