عاجل

الزم ثغرك

  • 74
الفتح _ الزم ثغرك

نطالع في تواصل مستمر أحداث الأمة المتألمة، متمثلة في أهم حدث الآن وهو جهاد أهل غزة أمام محتل غاشم ليس له عهد ولا ذمة، نسأل الله أن ينصر المسلمين، ويمكن لدينه في الأرض، ويرد كيد الأعداء في نحورهم.

خلال متابعتنا لما يحدث كل منا يستوقفه مشهد بل مشاهد، لكنها في النهاية تلمس عنده ألمًا أو شجنًا بعينه، وأحيانًا ندرك منه عبرة وعظة، فالمؤمن الفطن هو من يتخذ من كل موقف علامة، ومن كل حدث فائدة تغير فيه ومنه إلى الأفضل، بل أحيانًا نحتاج إلى أن نسقط واقع من حولنا وما فيه من حوادث وآلام على ما نحن فيه من نعم سُلبت من غيرنا، فنستزيد حمدًا وشكرًا لله على نعمائه، ونسأل الله الثبات والأجر لكل متألم.

وما لمسه الكثير منا من مشاهد الثبات والصبر لدى الآباء الذين يفقدون أبناءهم جملة واحدة، وأسرة كاملة، بل أحيانًا عائلة وعائلات، فنتساءل متحيرين، هل ما يمرون به هو وجع غير الوجع الذي نشعر به، أم سلبت منهم المشاعر والأحاسيس فلا يعد يهمهم ما يحدث لهم من هول الموقف مثلًا؟! بالطبع لا، هم يتألمون ويشعرون وعندهم فيض من وجع وألم، لكن التفسير الوحيد الذي نهتدي إليه أن هؤلاء القوم تربوا على العقيدة الثابتة الخالصة، التي لا يزعزعها فقدٌ وألم ومصاب مهما كانت شدته، علموا أن إرادة الله وحكمته تدعوهم إلى الحمد والشكر على السلب والعطاء، تربوا على الولاء والبراء السليم، فأصبح كل ما يشغلهم هو مجاهدة من يحارب الله ورسوله، مجاهدة من تطاول في حق الله ومن قتلوا الأنبياء، فكانت هذه العقيدة الراسخة نبراسًا لهم يتلمسون بها نور الحق، فرزقهم الله بها هداية القلب وسكونه.

لا ننكر عظم ما هم فيه، وشدة موقفهم، لكن في أوقات كثيرة نستشعر نحن القوة والثبات منهم، ومن تعليقاتهم، وردة أفعالهم، ورغم ما تحيا فيه الأمة من ألم وحزن على هؤلاء الشهداء -بإذن الله- والجرحى، والثكالى، والأيتام، والمكلومين، إلا أن هذه القضية وما يحدث الآن، أحيا فينا معاني إيمانية، أحيت في نفوس شبابنا وأبنائنا العزة والكرامة، والتأهب للثأر من هذا العدو الذي يكمن خلافنا معه في العقيدة، فصراعنا معهم بسبب كفرهم وشركهم بالله، والذي لن ننتصر فيه عليهم إلا بالإيمان بالله وحده.

ولعل واجب الوقت أن نستفسر هل علينا فقط المتابعة واستخلاص العبر، بجانب الدعاء الذي بلا شك أنه سلاح المؤمن، وبه يرد القدر، أم أنه ولا بد مع كل هذا من عمل؟! بالفعل نحن مطالبون أن يبدأ كل منا بالتغيير الحقيقي، التغيير الذي يبدأ من داخل مجتمعنا الصغير، بداية من البيئة الصغيرة، الأسرة، فالأم والأب لابد أن يجتهدا ويحرصا على تعليم أبنائهما دينهم، وإرشادهم إلى حقيقة هذا العدو، وتوجيههم إلى التخلي عن كل تشبه بهم، ودعوتهم إلى التمسك بهويتنا وقيمنا الإسلامية، والفخر بلغتنا العربية، وبذل الجهد واحتساب كل وقت معهم، في سبيل تعليمهم كتاب الله حفظًا وفهمًا فهو حبل الله المتين، والتمسك به سبب النجاة من الفتن في كل حين، متابعة صلاتهم وعباداتهم، والحرص على بث الروح الإيمانية التي تزيل عنهم كل هوان.

ومن ثمّ، كل منا على ثغر قيم فليلزمه، ولا يضيعه بسوء عمل وجهل منه، فما من مسلم إلا وهو قائم على ثغرة من ثغور الإسلام، فلتكن نصرتنا للقضية بإحيائها في نفوسنا، يهتم كل منا بتغيير نفسه، حتى يأتي نصر الله، ويمكن لعباده المؤمنين في الأرض، "إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ" ولنعلم أن أطفال اليوم وهم شباب الغد، هم من سيحملون لواء هذه الدعوة، فلتكن مهمتنا الآن، إن لم تكن للرجال حرب في الساحات، فلتكن دروس العلم والمساجد، وصلاة الجماعة، وتعلم العلم الشرعي هو جهادهم يجعلونه عدتهم لحين التقاء عدوهم، إن كتب عليهم الجهاد ودُعوا إليه، وجهاد النساء في البيوت كذلك، تربية النشء، والحفاظ على إخراج جيل سوي نافع لنفسه وأمته، يدافع عن عقيدته، ولننفض عنا كل ما يشغلنا أو يؤخرنا عن بناء هذا الجيل وتقويمه، والسعي الحثيث في إخراج جيل يحيي أمة، هذا الجيل الذي بالفعل عندما وجد القدوة الحقيقية التف إليها بفضل الله، عندما سمع القضية، ورأى بعينه أعداء الله ورسوله الذين يفسدون في الأرض، تأثر وسيؤثر إن شاء الله تعالى، وإن كان من فوز ونصر وفائدة في هذه الشدة والمحنة، إلى أن يأتي الله بالنصر من عنده، فلتكن عودتنا إلى رشدنا، وإظهار الحقائق جلية أمام الجميع، ودحض كل شعارات الغرب المزعومة من الحريات وحقوق الإنسان، فلنسع لنصرة هذا الدين من خلال جيشنا الصغير في بيوتنا ومدارسنا ومساجدنا، وكل منا يبذل وسعه أيًا كان دوره، الزم ثغرك الذي وُفِّقت فيه، واثبت تنبت بإذن الله تعالى.