ربة بيت

أعظم امرأة عاملة

نهى عزت

  • 74

كانت تحلم بعش الزوجية، وتتمنى زوجًا صالحًا يُعينها على أمر دينها، ومن ثمّ يقوم بدوره المتعين عليه ويمارس قوامته فيكفيها وأولادها مؤنتهم، ويوفر لهم احتياجاتهم، ويراعي أمر دينهم ودنياهم، وقد أكرمها الله ورُزقت بزوج صالح وذرية طيبة، وكانت تحيا حياة هادئة تخدم زوجها وأولادها كخدمة السيد لقومه، فهي راعية وملكة متوجه في بيتها.

لكن سرعان ما تحول هذا الهدوء إلى جحيم وشتات، فأشارت لها إحداهن أن المرأة ليست خادمة لزوجها بل لابد لها من كينونة وبناء لحياتها، وعمل مستقل لها يحميها من تقلبات الحياة.

فسرعان ما أخرجت شهادتها وطلبت من زوجها الاستقلال والحرية في أن يسمح لها بالعمل، وعلى الرغم من كونه قد وفّر لها كل احتياجاتها إلا أنه لم يمنعها من تحقيق حلمها.

فخرجت إلى الحياة مُشمرة عن ساعد الجد حتى تثبت وجودها، فأخذتها الدنيا وانشغلت عن بيتها، ولم تستطع أن توفي ما عليها ولا القيام بدورها المطلوب، وأصبح الضغط عليها يزداد يومًا بعد يوم، وبدلًا من أن تُضحي بعملها الذي هو في الأصل غير مطالبة به إلا ما كان مضبوط بضوابطه، وتستلزمه الحاجة، إلا أنها قدمته على أسرتها، وتمردت على عيشها كخادمة في بيتها حتى تخدم مجتمعَ عملٍ بأكمله.

هذه المرأة نموذج من النماذج التي لم تفهم حقيقة المطلوب منها، ولم تشكر النعمة التي حباها الله بها؛ زوج كريم وبيت هادئ وأولاد صغار يحتاجون إلى الرعاية والاهتمام، فمع أول نزغة من الشيطان تطلعت لمن ألقت بهم الحياة في خضم العمل ومشقته.

غفلت أن كلًا له ظروفه، بل أن كثيرات منهن تتمنى لو كان لها مَن يكفيها ذل السؤال، ويرفع الحرج والمشقة عنها كمن فقدت عائلها ولا تجد من يكفلها كمن تساند أباها أو تساعد في تربية إخوتها الصغار، أو تعاون زوجها إن كان فقيرًا أو عاجزًا عن القيام باحتياجات أسرته، أو أن تكون أرملة لا عائل لها وتسعى على تربية صغارها، أو لتلبية حاجة مجتمعية تتطلب أداء بعض الأعمال التي تُعد من فروض الكفاية على النساء لحفظ كيان المجتمع المسلم وضمان سلامته؛ كمن تقوم بمهمة تعليم البنات، وتطبيب النساء والقيام بتمريضهن، والقيام بخدمات الرعاية الاجتماعية، كرعاية الأطفال واليتامى والمسنين.. ونحو ذلك من الأعمال والمهام التي تناسب المرأة ولا يمكن لغيرها أن يكون بديلًا عنها، وعليها في هذه الحالات التوفيق بقدر الإمكان بين أداء عملها خارج بيتها وبين مسئوليتها تجاه زوجها وأولادها؛ كنفس مسئولية الرجل المطالب بالتوفيق قدر استطاعته بين عمله وبيته، والوفاء بحقوق زوجته ومتطلبات أولاده، والقيام بما يحتاجونه من رعاية وعناية وتربية وإشراف ومتابعة.

بالفعل هذه المرأة تناست أن التوزيع الأجدى للأدوار هو أن يكون الرجل خارج المنزل، وهي في بيتها معززة مكرمة، فالمرأة لها دور عظيم داخل بيتها من رعاية شؤون زوجها وأولادها، فتوفير السكن والحياة الهادئة للزوج ليس بالأمر الهين ولا المُهين، وتوفير الراحة النفسية لأولادها وتوفير سكن مستقر مطمئن لهو من أهم حقوقهم، كما ورد في توجيه النبي صلى الله عليه وسلم للنساء: "والمرأة رَاعِيَةٌ على بيت زوجها وولده وهي مسؤولةٌ عنهم.."(متفق عليه).

أما ما حدث من تهميش لدور للمرأة وجعله عملًا لا قيمة له، حتى فقد بريقه وأصبح سُبة تبحث عن كيفية التحرر من هذا المصطلح "ربة بيت" لأنه قد نُسج في عقلها أن هذا عمل سلبي لا نتاج له، فهي -على حد زعمهم- لا تشارك في بناء وتنمية مجتمعها.

وهذا بلا شك كذب وخداع روّجه الغرب وما يسمون أنفسهم بالمدنية الحديثة، ومن بعده الحركات النسوية الهادمة التي تتطلع إلى تشتت الأسر وإخراج جيل ممزق لا يجد دفء الأم ولا يشعر بالاستقرار النفسي الذي قد رتبه الشرع الحكيم ووضع له نظامًا معتبرًا.

فإلى كل من يدعون إلى "حرية المرأة"" ورفع التكاليف عنها، والله أنتم من تزجون بها إلى هوة التكاليف الشاقة الساحقة، بل تدعون حمايتها ممن هو في الأصل راعٍ لها، مَن قد طالبه الشرع بالقيام بكامل حقوقها، وأن رسالتها المكلفة بها ما هي إلا تشريف وتكريم من رب العالمين، حتى تؤدي رسالتها على الوجه المطلوب، ومن كانت نيتها لله خالصة حتى وإن كان عملها داخل بيتها به بعض المشقة والعناء إلا أن الله سبحانه وتعالى تكفل أن يجعله راحة وأمانًا لها واستقرارًا في مملكتها، بجانب أجرها من الله سبحانه وتعالى جزاء وفائها بما أمرها وكلفها به من رعاية زوجها وأولادها، حتى استطاعت أن تكون على حق "ربة بيت".