صناع المراكب في كفر الشيخ "بلا حقوق"

يعملون بالحديد والنار ويواجهون مخاطر صحية بالجملة.. والتوصيف "عمال يومية"

  • 14
الفتح - صناعة المراكب أرشيفية

بينما تقف علي نهر النيل تشاهد مراكب شراعية وغيرها بمحركات، يقف خلف صورتها البهية عمال وصناع يعملون بالحديد والنار ويواجهون مخاطر عدة، ليبهروا الجميع بدقة صنعتهم، أعدادهم بالآلاف، لكنهم يعملون من خلف ستار، وأغلبهم يعمل باليومية أي بلا ضمان لأي حق من حقوق العمل، فإذا انقطع يومًا عن العمل، بات بلا أجر يسد به حاجته.

وفي هذا التقرير ترصد "الفتح" المخاطر التي تواجه صناع وعمال صناعة المراكب، لتضعها بين يدي المسؤولين لإنقاذ فئة مهمشة، تنتظر من ينتشلها.

من جهته، قال علي محمد، صاحب ورشة لتصنيع المراكب النيلية، إن منطقة كفر إبراهيم بمركز دسوق في محافظة كفر الشيخ، تشتهر بصناعة المراكب بمختلف أنواعها، شراعية أو بمحركات، موضحًا أن أصحاب المراكب يأتون إليها إما للحصول على مركب جديد أو صيانة الموجود لديهم، نظرًا لبراعة العمال هناك.

وتابع: "مع هذه الشهره، هناك العديد من المخاطر التي تواجه هؤلاء العمال، خاصة اللحماين والحدادين، فهم يعملون بالحديد والنيران، ورغم أنهم يعملون بالطرق البدائية إلا أن جودة صنعتهم، جعلتها تنافس المراكب المستوردة.

وأشار إلى أن أصحاب الورش ليس بمقدورهم توفير وسائل الأمن والسلامة بسبب ارتفاع أسعارها وعدم توافر العديد منها في المحافظة.

فيما قال الشحات عمار، حداد يعمل في صناعة المراكب النيلية، إنه يعمل بها منذ أكثر من 40 عامًا، إذ ورثها عن والده، مشيرًا إلى أنهم يتعرضون للعديد من المخاطر، نتيجة لإنبعاثات الأدخنة سواء عند تقطيع الحديد أو لحامه، تجعلهم عرضة للعديد من الأمراض، تؤثر في الجهازين التنفسي والهضمي.

وأشار إلى أن حداد المراكب أو اللحام يعانون من مشكلات معوية أيضُا تؤدي للغثيان نتيجة لرايش الحديد كما يعرف في مفهوم الصنايعية في هذه المجال، وكذلك التهاب بالعينين نتيجة تعرضها الدائم لبواقي الحديد ما يؤدي إلى جفافها ويضر بالقرنية.

وأوضح "عمار" في تصريحات لـ "الفتح" أنه منذ أعوام تعرض أحد زملائه لأزمة تنفسية أثناء العمل، وعند نقله إلى المستشفى أكد الأطباء أن تعرضه للغازات الناتجة عن عملية اللحام هي المتسببة في ذلك، ليقوم بها صديق عمره بالمكوث في المنزل، ومن ثم عمل حارس عقار تاركًا المهنة بسبب ما تعرض له من أمراض، فيما أصيب آخر بجروح وحرق نتيجة لأنه أثناء تركيب أسطوانة الأكسجين والغاز حدث تسريب وعند تجربة الأنبوبة كاد أن يحدث انفجار إلا أن زملاءه سيطروا عليه وأصيب صديقهم هو الآخر في ذلك الحادث.

وأكد أنهم يتعرضون للعديد من المخاطر والحوادث بشكل يومي، بسبب عدم توافر إجراءات الأمن والسلامة داخل هذه الورش، التي قد تقيهم من مثل هذه المخاطر.

فيما كشف مجدي الحبشي، أنه تعلم مهنة حداد المراكب في إحدي الورش بدولة ليبيا، وكانت هناك إجراءات وقائية بها، موضحًا أنه عند عودته إلى مصر، قرر العمل في المهنة التي تعلمها وأتقنها، فتوجه إلى قرية مجاورة للعمل في صناعة المراكب النيلية وهناك كانت المفاجأة، لا توجد أي إجراءات أمن وسلامة للعمال واضطر للعمل مثلهم، إلا أنه اشترى قفازات سميكة من المخصصة للحدادين حتى يحافظ على يديه، مؤكدًا أنه اشتراها من أمواله الخاصة، وكذلك نظارة خاصة بالحديد، إذ إن الموجودة بورشة صناعة المركب بدائية للغاية صنعها الحدادون بأنفسهم للحفاظ على أعينهم حتى يحموها من مشكلات تعرضهم للضوء الناتج عن اللحام.

وأضاف الحبشي لـ "الفتح" أن هناك مفاهيم ومعتقدات خاطئة عند أصحاب هذه الورش، فمن المفترض عند العمل في هذه الصنعة ترك مكان العمل بين الحين والآخر لاستنشاق الهواء، للبعد عن الهواء الذي قد يكون محملُا ببقايا الحديد وهو ما لا يحدث في هذه الورش، لافتًا إلى أن ترك مكان العمل لأمرين فقط  من أجل الغداء، أو قضاء الحاجة.

ويتمنى أن ينال العامل حقة في هذه الإجراءات الخاصة بالأمن والسلامة، وتوفير زيّ ملائم لطبيعة عملهم حيث إنهم يعملون بالحديد والنار.

أما عن حقوقهم المادية وغيرها من تأمين صحي واجتماعي، أكد الحبشي، بأنه لا يوجد شيء رسمي يربطهم بالعمل فهم عمال باليومية إن تغيبوا يومًا ربما يكون عليهم البحث عن عمل في مكان آخر فلا يوجد ما يربطهم بصاحب العمل، بالإضافة إلا أنه لا يوجد تأمين صحي عليهم، فعند مرض أحدهم عليه الذهاب للمستشفى للعلاج على نفقته الخاصة، وكذلك ليس لهم أى تأمينات اجتماعية ولا أحد يبحث عن حقوقهم.

وطالب بتقنين أوضاعهم كعمال فعددهم ليس بالقليل، سواء عن طريق مكاتب العمل أو الشئون الاجتماعية أو غيرها من المؤسسات وتوفير بيئة عمل آمنة لهم، حتى يتمكنوا من أداء عملهم في صنعتهم، على أكمل وجه، حيث إنهم يصنعون مراكب من حديد يقومون بتشكيله على أيديهم وينتهي الأمر بمركب قد يصل طوله لأكثر من 50 مترًا ومن الممكن أن يكون عدة طوابق، آملًا أن تتغير أوضاعهم إلى الأفضل.