عمار العركي لـ"الفتح": الإرهاب يعود للقرن الأفريقي بفعل فاعل.. ويوجد سيناريو دولي وإقليمي لإعادة هندسة المنطقة

إثارة النزعات الانفصالية وتأجيج الصراعات يعجِّل بمخطط "البلقنة"

  • 44
الفتح - عمار العركي الكاتب والمحلل السياسي السوداني

قال عمار العركي، الكاتب الصحفي والمحلل السياسي السوداني: تواترت أخبار مؤخرًا تفيد بوصول أربعة جثامين لعسكريين إماراتيين إلى مطار أبوظبي، بعدما لقوا حتفهم في الصومال، إضافة إلى جرح ما يزيد على 20 شخصًا من جنسيات إماراتية وبحرينية وصومالية على إثر عملية إرهابية في العاصمة الصومالية مقديشو منذ نحو أسبوع، في حين أصدرت حركة "الشباب الصومالية" بيانًا أعلنت فيه مسؤوليتها عن الهجوم الذي تعرضت له القاعدة العسكرية التابعة للجيش الصومالي.

وأضاف العركي في تصريح خاص لـ"الفتح" أن هذا الخبر بجانب بيان "الشباب الصومالية" المصنفة منظمةً إرهابيةً أعاد للأذهان سلسلة أخبار العمليات الإرهابية والتفجيرات الانتحارية وبيانات حركة "الشباب" بتبنيها والمسؤولية عنها؛ وذلك بعد فترة امتدت لنحو عامين من الهدوء والاستقرار النسبي بعدما جرى كسر شوكة "حركة الشباب" في أعقاب الهزائم والخسائر البشرية والمادية التي ألحقها بها الجيش الصومالي. مؤكدًا أن الإرهاب يمرض ويخبو لكنه لا يموت وسرعان ما يظهر ويتوهَّج ويعود من جديد بفعل فاعل ونتيجة لاستفزازه وإثارته.

هندسةُ المنطقة

وأشار إلى أن ما حدث في السودان قبل يوم 15 أبريل الماضي بصعود نجم "حميدتي" قائد مليشيا "الدعم السريع" ومحاولات وصوله للسلطة في السودان ولو بالقوة، وقد سبقه صعود آبي أحمد للسلطة في إثيوبيا عام 2018م، عقب صعود الرئيس السابق محمد عبد الله فرماجو للسلطة في الصومال- كل ذلك يأتي في إطار لعبة جيوسياسية إقليمية ضمن سباق نفوذ القوى الدولية، وفق سيناريو يديره حلفاء القوى المهيمنة مع بعض الأطراف الإقليمية في القرن الأفريقي؛ بهدف وضع قواعد جديدة للعبة الإقليمية وإعادة هندسة المنطقة؛ بما يجعلنا أمام مناورات ومغامرات متعددة ومتسقة الأهداف وذات صلة بكل دول القرن الأفريقي ضمن إطار اللعبة والسيناريو الموضوع.

وتابع الكاتب والمحلل السوداني أنه بالتزامن مع المحاولة الفاشلة لاستيلاء "حميدتي" على السلطة؛ وبِناءً عليه فشل مخطط الاستحواذ على موانئ بورتسودان وأراضي الفشقة الزراعية السودانية لصالح دول المخطط؛ توجه الحليف الإثيوبي آبي أحمد في الأول من يناير الماضي صوب الإقليم الصومالي الانفصالي "أرض الصومال" وأبرم اتفاقًا مبدئيًّا بموجبه تتمتع أديس أبابا بالوصول إلى البحر الأحمر تمهيدًا لإقامة قاعدة بحرية تجارية إثيوبية بالقرب من ميناء بربرة على مساحة 20 كيلومتر مربع لمدة 50 عامًا، مقابل اعتراف الحكومة الإثيوبية بـ"أرض الصومال" دولةً مستقلةً، وحصول "أرض الصومال" على حصة قدرها 20% من الخطوط الجوية الإثيوبية. مؤكدًا أنه عبر هذا الاتفاق المدعوم من أطراف أخرى لها مصالحها ستحقق إثيوبيا طموحها وحلمها القديم لحماية مصالحها الحيوية، وإيجاد موطء قدم تجاري واقتصادي لها، وإعادة التموضوع الاستراتيجي للأطراف الأخرى والقوى التي تدير اللعبة بعدما فشلت في عدة محاولات ومناورات تموضع سابقة في السودان وإريتريا واليمن وجيبوتي.

 وبسؤاله حول مصالح هذه الأطراف الخارجية في الصراع داخل منطقة القرن الأفريقي، قال: يجاب عن هذا السؤال عبر تتبع أطماع وحماية مصالح هذه الأطراف الإقليمية، وهذا يثير مزيدًا من التساؤلات بشأن دورها الحقيقي في تشكيل سياسة آبي أحمد الخارجية خلال السنوات الأخيرة منذ صعوده للسلطة؛ فقد أعاد المنطقة لمربع الحروب والعنف وتنشيط بؤر الإرهاب. 

وأردف أن إعلان حركة "الشباب الصومالية" الإرهابية مسؤوليتها عن مقتل الضباط الإمارتين الأربعة وعسكري بحريني وجرح ما يزيد على 20 شخصًا على يد أحد النظاميين المعنيين بالحراسة والتأمين- تجسيدٌ حقيقي لما ذكرناه من تهديد واستهداف إقليمي شامل من خلال تنشيط واستفزاز الإرهاب الخامل وإشعال البؤر الخامدة. منوهًا بأن هذا الحادث كشف عن سؤال مهم ومعقد مثل تعقيدات المنطقة وما دور فيها؛ وهو: في حين يتعاون ويتعاطى أحد الأطراف الخارجية المعروفة مع الجيش الحكومي الصومالي، يتحالف في الوقت ذاته مع إثيوبيا ضده، وهو أيضًا نفس الجيش الذي يعارض ويقاوم وجوده هو وحليفته أديس أبابا في السواحل والموانئ الصومالية.. فبماذا يُفسَّر هذا التناقض العجيب المعقد؟ !

تحريكُ السواكن

وشدد الصحفي السوداني على أنه بعد ميلاد مليشيا "الدعم السريع" الإرهابية الابن الشرعي لحلفاء القوى المهيمنة الإقليميين، ها هو آبي أحمد يرمي بحجر في المياه الراكدة لمدينة "هرجيسا" الصومالية الانفصالية ودولة الصومال الاتحادية؛ فيردُّ الروحَ ويحركُ سواكنَ إرهابِ "حركة الشباب الصومالية" ويعيد سيرةَ المواجهات الدامية والتفجيرات والعمليات الإرهابية الانتقامية الغابرة، ليس ذلك فحسب وليس داخل الصومال فقط، بل يجري من خلال ذلك دفع "حركة الشباب" لتصفية حساباتها القديمة مع الجيش الإثيوبي الذي ألحق بها هزائم وخسائر فادحة إبان فترة مشاركته بصفته قوة رئيسة وغالبة ضمن قوات حفظ السلام متعددة الجنسيات داخل الصومال (أتميس)؛ ومن ثَمَّ تزداد المنطقة اشتعالًا فوق اشتعالها.

ولفت إلى أن مقتل الضباط الإماراتيين في مقديشو يعد فصلًا جديدًا ضمن سلسلة الأزمات الإقليمية المعقدة التي تشهدها المنطقة على مدار السنوات الماضية بفعل فاعل؛ وتلبية لنزوات وأطماع استحواذية توسعية، كان آخرها سيناريو حرب 15 أبريل داخل الأراضي السودانية؛ وهي الحرب التي تُعد تجميعًا لكل الخيوط والخطوط ذات الصلة بتلك اللعبة الإقليمية كلها.

وأوضح أنه وسط المخاوف من تنامي التوترات السياسية وتصاعدها واندلاع الحروب الأهلية كبيئة حاضنة خصبة للإرهاب بين دول المنطقة؛ عبر تصعيد المواجهات من خلال "حركة الشباب الصومالية" والجيش الصومالي والجيش الإثيوبي والقوميات الإثيوبية المتناحرة والجيش الإريتري المتربص، إضافة لنشاط مليشيا "الدعم السريع" الإرهابية الإقليمية، وبروز بعض حركات دارفور المسلحة كلاعب جديدة في منطقة شرق أفريقيا بعدما كانت نشيطة في غربها- لا شك في أن كل ذلك سيجعل منطقة القرن الأفريقي مقبلة بخطى متسارعة نحو سيناريو "البلقنة" (وهو مصطلح يُستخدم لوصف الأفكار الانعزالية والانفصالية في العديد من السياقات، ظهر في نهاية الحرب العالمية الأولى)؛ ما يعني تقسيم دول المنطقة إلى دويلات متناحة متنازعة؛ مما يعصف باستقرار المنطقة وتلاشي الخارطة الحالية لها؛ وبعد ذلك يتم إحلال كتلة ما بتصورات جيوسياسية جديدة. 

وختم تصريحه بأنه تتعدد السيناريوهات في المنطقة لكن يظل الهدف واحدًا؛ ففي عام 2018م إبان اتفاق السلام الإثيوبي الإريتري الكذوب، ونشوء تكتل بهدف تعاون اقتصادي إقليمي ثلاثي بعد إضافة الصومال وتحفظ جيبوتي وتعمد إقصاء السودان، كان هناك توقع بتضرر السودان مستقبلًا؛ لذلك لا بد من تقوية العلاقات الاستراتيجية مع الصومال وجيبوتي باعتبارهما عمقًا استراتيجيًّا للسودان وجوارًا مهمًّا لإثيوبيا وإريتريا، خاصةً أن كل عوامل تقوية العلاقات وتطويرها كانت متوفرة وحاضرة مع الدولتين، لكن حال دون ذلك انشغال السودان بأزمته الداخلية ولا يزال هذا الخطر الخارجي يهدده. مؤكدًا أن التاريخ يعيد نفسه الآن وكل العوامل والفرص مواتية لإنشاء تحالف يجمع كل المصابين والمتضررين الأوائل من هذا السيناريو الخطير وهم: (السودان، مصر، الصومال، إريتريا)؛ وهو سيناريو ذو مصير مظلم قاتم يبدأ بالسودان تلك الدولة القاصية المنعزلة التي تقاتل وحدها الآن بعدما تكالب الجميع عليها. هذا التحالف الإقليمي الاستراتيجي لتلك الدول الأربعة بعد مقاومة الضغوط والمعوقات؛ مبدئيًّا سيعيق سير هذا المخطط، ويتيح الفرصة لالتقاط الأنفاس ريثما تعيد كل دولة ترتيب أوضاعها الداخلية والخارجية وكيفية مواجهة ذاك المخطط الدولي الضخم متعدد السيناريوهات.