"برهامي": من أكبر أسباب القسوة في المجتمع فقدان روح المودة والرحمة والسكينة داخل الأسرة

  • 36
الفتح - الدكتور ياسر برهامي، نائب رئيس الدعوة السلفية

أوضح الدكتور ياسر برهامي، نائب رئيس الدعوة السلفية، أن من أكبر أسباب القسوة في المجتمع: فقدان روح المودة، والرحمة والسكينة داخل الأسرة، التي هي اللبنة الأولى للمجتمع، وفيها ينشأ أفراده، ويتعلمون العقيدة والعبادة، والأخلاق والقيم، قال الله -عز وجل-: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [الروم:21]، وجوّ الاضطراب والقلق يمنع حسن التربية للأولاد ؛ خاصة إذا تضمن الاضطراب استعمال القسوة والإضرار من الزوج تجاه الزوجة، أو من الأب أو الأم تجاه الأبناء بما يجاوز حدود الشرع؛ ومثال ذلك بوجود الضرب المبرِّح؛ الذي يكسر عظمًا أو يشق جلدًا أو يحدث شينًا، وكذا اللطم على الوجه؛ فإنه محرم، أو الضرب قبل استعمال الوسائل السابقة عليه التي ذكرها الله -عز وجل- في كتابه؛ حيث قال: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا . وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا) [النساء:34-35].

وأشار "برهامي" -في مقال له بعنوان "مظاهر القسوة أسباب وعلاج (11)"- إلى أنه من أسباب استقرار الأسرة توفير جو الحنان والطمأنينة والقدوة الصالحة، والسلوك السوي الحسن في التعامل مع الآخرين؛ الذي يمثل للطفل الناشئ النموذج الصحيح في الحياة، مشيراً إلى أن هذا يحدث مع وجود قوامة من الرجل على المرأة؛ مضيفاً: فهذا البيت وهذه الأسرة كالسفينة لا بد أن يكون لها ربان واحد، وقائد عاقل؛ يقودها في وسط أمواج الفتن ومصاعب الحياة.

وتابع: فالزوج قائد الأسرة هو الذي يعلِّم أفراد الأسرة الحقوق والواجبات الشرعية لكل فردٍ مِن أفرادها، وليس حسب أهواء القادة أو رغبات الناس، أو العادات المنحرفة أو المبادئ المستوردة؛ كالتي يدندن الغربُ عليها تحت عنوان: "التمكين للمرأة"؛ مِن إبطال القوامة للرجل، وإعطائها صبغة النِّديَّة في مواجهته؛ مما يؤدي إلى تسعير الشقاق ودوام النزاع ورفع الصوت؛ ثم الوصول إلى دوائر العنف المخالِف للشرع.

واستكمل: ومن أسباب استقرار الأسرة، تعلُّم حق الرجل على زوجته؛ مِن لزوم تسليم نفسها، وعدم امتناعها عنه متى رغب -ما لم يكن هناك عذر شرعي: كصيام واجب أو إحرام، أو حيض أو نفاس، أو عذر قدري: كمرض وألم وعجز؛ لا تستطيع معه المرأة مباشرة العلاقات الزوجية مع زوجها-؛ تعلُّم ذلك وتعليمه للأزواج والزوجات مِن الواجبات.

واستطرد نائب رئيس الدعوة السلفية: وكذا من واجبات المرأة على زوجها وحقه عليها: لزوم البيت، وألَّا تخرج من بيته إلا بإذنه، وهذا ما يدندن الغربيون عليه أيضًا تحت نفس العنوان: "التمكين للمرأة!"؛ لتأخذ ما يسمونها حقوقها بالخروج دون إذن الزوج، ولا الأب -في حالة عدم وجود الزوج-؛ إذ شبهوا بيت الزوجية بالسجن الذي لا بد لها أن تتحرر من عبوديتها فيه، وكذا حق السفر دون إذنٍ، بل ودون محرم، ودون نظر إلى دواعي السفر وأسبابه؛ مما يؤدي إلى احتدام الخلاف، وفقدان التوجيه، وفقدان بوصلة الرحلة السعيدة.

وأضاف: وكذا مِن حق الرجل على امرأته خدمته وخدمة أولادها منه -على الصحيح من أقوال العلماء-، وإِنْ كان أكثر أهل العلم يقولون بالاستحباب دون الوجوب، لكن الصحيح الوجوب؛ لإقرار النبي -صلى الله عليه وسلم- أصحابه على استخدام أزواجهم بمَن فيهن بناته، وشكوى فاطمة للنبي -صلى الله عليه وسلم- أثر الرَّحى في يدها مشهورة في السنة وثابت، ولم يسقط النبي -صلى الله عليه وسلم- عنها الخدمة مع وجود هذا الضرر اليسير، متابعاً: وأقوى مِن ذلك في الاستدلال: استخدام النبي -صلى الله عليه وسلم- لأزواجه؛ مثل قوله لعائشة -رضي الله عنها-: (نَاوِلِينِي الْخُمْرَةَ مِنَ الْمَسْجِدِ) [رواه مسلم]، وقوله لها أيضًا: (يَا عَائِشَةُ، هَلُمِّي الْمُدْيَةَ) -أي: هاتي السكين- ثُمَّ قَالَ: (اشْحَذِيهَا بِحَجَرٍ) [رواه مسلم]، وغير ذلك.ولا نزاع أن هذا مِن محاسن الأخلاق للنساء في معاملة الأزواج الذي استمر عليه عمل الأمة عبر الزمان.

ولفت إلى ما يقع من تجاوز في مسألة الحقوق بين الزوجين، مثل: إلزام الزوجة بخدمة أقارب الزوج: كأبيه وأمه، وإخوته وأخواته، وأولاده من غيرها دون رضا وتبرع منها؛ موضحاً أن هذا مِن أكبر أسباب الشقاق؛ للتعدي بالإلزام، وعدم شكر المعروف إذا فعلت؛ بل يراه حقًا ولازمًا عليها تستحق العقوبة والهجران والضرب عند عدم أدائها له؛ مما يسبب الشقاق والنزاع المستمر داخل العائلات؛ فتستعمل القسوة غالبًا في هذه النزاعات.

واختتم نائب رئيس الدعوة السلفية، قائلًا: ومن التجاوز في الحقوق: مطالبة الزوج الزوجة بالمشاركة في أعباء النفقة المالية على المنزل؛ خصوصًا مع عمل المرأة وتكسبها، وقد انتشر في زماننا، ولا نزاع بين أهل العلم أن نفقة الزوجة هي على زوجها ولو كانت غنية، ونفقة الأولاد على أبيهم وإن كانت أمهم غنية، ووجود مال أو عمل لها، أو أنه يأذن لها بالخروج للعمل المباح شرعًا لا يُلزِمها بالنفقة على البيت، لافتاً إلى أنه لا يصح أن يكون الإذن منه لها للخروج في مصلحة لها أو للمجتمع؛ كأن تكون طبيبة تعالج النساء، أو أن تكون مدرِّسة تعلم بنات المسلمين، أو غير ذلك من المصالح؛ لا يجوز أن يكون هذا الإذن في مقابل مال يطلبه من الزوجة؛ فإن هذا يشبه الرشوة، كما أن الأولاد لو كانت لهم أموال خاصة بهم؛ فلا بد أن يكون الإنفاق من أبيهم، فكذلك في أمر الزوجة، وهو مِن أهم أسباب قوامة الرجل في البيت.