خلال ندوة "انطلاقة قلب جديد في رمضان".. الدعوة السلفية تؤكد أهمية التخطيط للعبادات.. وخطوات الاستقامة

  • 33
الفتح - المحاضرون في ندوة "انطلاقة قلب جديد في رمضان"

"برهامي": قلب الإنسان خُلق محلًا للروح العلية ولابد من التوازن في الشهوات المباحة

دعاة: الإخلاص والاحتساب أبرز المعينات القلبية على التعبد

نظمت الدعوة السلفية بمصر ندوة بعنوان "انطلاقة قلب جديد في رمضان"، حاضر فيها الدكتور ياسر برهامي، نائب رئيس الدعوة السلفية، والدكتور أحمد حمدي، الداعية الإسلامي، والدكتور أسامة عبد المنصف، الداعية الإسلامي.

وقال الدكتور ياسر برهامي: إن قلب الإنسان خلق محلًا للروح العلية، لكنها وضعت في هذا البدن الأرضي؛ فقد نسب الله تعالى الروح إليه فقال: {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ} [الحجر: 29]، فأعظم تكريم للإنسان أن الله سوّاه بيده ونفخ فيه من روحه، ونسبة الروح إلى الله -عز وجل- نسبة تشريف، فهي علية ومرتفعة إذا أُعطيت حظها، وإذا لم تحول عن هذا التشريف إلى أن تصبح روحًا أرضية، أو أسوأ من ذلك سفلية، كأرواح الشياطين الهابطة، موضحًا أن العبادات هي الوعاء الذي يملأ قلب الإنسان بالخير، وروح الإنسان ترتفع بآيات الله فتقترب، قال تعالى: {واسجد واقترب}.

وأضاف: ولذلك حتى ننطلق فعلًا، لابد أن نتخلص من الروابط التي تجرنا إلى الأرض، فالجسم الإنساني خلق من الأرض {من حمأ مسنون} والحمأ، أي: الطين، والمسنون، أي: المنتن، مشيرًا إلى أننا من دون الروح حمأ مسنون، كما يحدث للميت عندما تخرج منه الروح، ولكن الروح ليست مجرد الحياة؛ لأن الله وصف الكفار بأنهم أموات، قال الله تعالى: {وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَىٰ وَالْبَصِيرُ (19) وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ (20) وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ (21) وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَن يَشَاءُ ۖ وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُورِ} [فاطر: 19-22]، مؤكدًا أن الله -عز وجل- شرع لنا ما نتخلص به من الإخلاد إلى الأرض.

وأوضح "برهامي" أن حاجة الإنسان معروفة عند كل الناس، فيحتاج إلى الطعام والشراب، ثم بعد حين حاجته إلى الشهوة الجنسية وإلى المال وإلى النوم والراحة، وحاجته إلى الكلام والاختلاط بالناس؛ لأنه خلق مدنيًا بطبعه، يميل إلى العيش في تجمعات، مشيرًا إلى أن الله شرع لنا في رمضان ما نتحكم به في هذه الأشياء، ولم يشرع لنا اجتثاثها أو أن نمتنع منها بالكلية، كما يفعل الأحبار والرهبان، في كل الملل التي فيها الرهبانية يعذبون أنفسهم عذابًا شديدًا، ويمتنعون من الطعام والشراب، ويمتنعون نهائيًا من الشهوة الجنسية، وبعضهم  يختصي، منوهًا بهذا التوازن العظيم من دون أن يحدث إفراط ولا تفريط.

وشدد على أن من ظل مستسلمًا لشهواته ولا يبحث عن تهذيبها وإصلاحها، تغلبه هذه الشهوات، فيكون أهم شيء له الأكل والشرب، وأخذ راحته في النوم، وبعد أن يبلغ فتكون الشهوة الجنسية أهم شيء عنده، ولابد أن يحصلها بأي طريق، حتى ولو لم يجد الحلال يحصلها بالحرام، موضحًا أن الله شرع لنا في رمضان الصيام الذي فيه ترك الطعام، والشراب والشهوة الجنسية في النهار، وأباح في الليل الطعام والشراب والمباشرة والمعاشرة الجنسية؛ لكي يكون الإنسان متوازنًا، يتحكم هو في الشهوة ولا تتحكم فيه، كما شرع لنا كثرة الصدقة، فقد روى البخاري في صحيحه عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيُدارسه القرآن، فرسول الله أجودُ بالخير من الريح المرسَلة"، كما رغب النبي قائلًا: "مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ، غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْئًا" [رواه الترمذي].

وأكد "برهامي" أن هذا كله من التخلص من سيطرة المال، خاصة مع وجود الخصاصة، كما قال الله تعالى: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر: 9] والخصاصة هي الفقر والحاجة، موضحًا أن هذه أيام صارت فيها الطبقة المتوسطة فقيرة، والفقيرة صارت أشد فقرًا؛ فالعطاء في هذا الوقت له ثوابٌ عظيم؛ إذ سُئل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن أفضل الصدقة فقال "جهد المقل"، مشددًا على ضرورة أن نتخلص من شهوة المال من أن تتحكم فينا، وكذلك الشهوة الجنسية، وشهوة الطعام والشراب، مؤكدًا أن الله -عز وجل- شرع لنا أعدل القيام لنتحكم في شهوة النوم والراحة، قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لعبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- كما في البخاري: "أَحَبُّ الصَّلَاةِ إِلَى اللَّهِ صَلَاةُ دَاوُدَ وَأَحَبُّ الصِّيَامِ إِلَى اللَّهِ صِيَامُ دَاوُدَ كَانَ يَنَامُ نِصْفَ اللَّيْلِ وَيَقُومُ ثُلُثَهُ وَيَنَامُ سُدُسَهُ وَكَانَ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا".

وأشار نائب رئيس الدعوة السلفية إلى أن المجتهد في قيام ثلث الليل فقد أتى أحسن القيام، إلا العشر الأواخر فإن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان إذا دخل العشر أحيا ليله وأيقظ أهله وشد المئذر، أي اعتزل النساء، للتحكم في الشهوة الجنسية؛ لأن كثرة ممارسة الجنس ككثرة الأكل، ككثرة تخزين المال، كل ذلك يؤدي بالإنسان إلى ألا ينطلق، بل إلى أن يظل مخلدًا إلى الأرض مرتبطًا بها؛ لأنها كلها حاجات البدن، فكما أن هذا يهيئه لو أخلد إلى الأرض إلى اتباع الهوى، واتباع الشيطان، فينزل لأسفل؛ لأن الشيطان أسفل من ذلك لإرادته الفاسدة، فإرادة العلو والفساد أسوأ من إرادات الطعام والشراب والجنس والمال والخلطة والكلام، منوهًا بأنه شُرع في رمضان التحفظ في الكلام؛ إذ قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلَا يَرْفُثْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَصْخَبْ، فَإِنْ شَاتَمَهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ: إنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ" [متفق عليه].

وقال الدكتور أحمد حمدي: من المعينات على التعبد في رمضان بعض العبادات القلبية، ومنها: الإخلاص، وهو من أعظم العبادات القلبية، النية الجازمة، وكذلك فإن الاحتساب هو الذي يعين الإنسان على التعبد، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "منْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمانًا واحْتِسابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ" [متفقٌ عَلَيْهِ]، موضحًا أن المرء يبلغ بنيته ما لا يبلغ بعمله، فعن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إِنما الْأَعمال بِالنِّيات وإِنما لِكل امْرِئ ما نوى" [صحيح البخاري]، والنيات هي تجارة العلماء؛ إذ تحول العادات إلى عبادات.

وأضاف: والله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصًا يرتجى به وجهه -سبحانه وتعالى، وصالحًا صوابًا أي: موافقًا للسنة، قال تعالى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف: 110]، مشددًا على أهمية استحضار النوايا في كل أعمالنا وأهمية الاحتساب؛ إذ إنه يهون العبادة، فكلما نظر الإنسان إلى مقدار الثواب المترتب تهون المشقة؛ فالهدف الذي تريد الحصول عليه يهون عليك مشقة التعب والآمال، مشيرًا إلى أن قوة الاستعداد لرمضان أي تمرين الجوارح على الصيام، والقراءة، والعبادة أمر ضروري ومهم جدًا، موضحًا أن السلف كانوا يستعدون لرمضان قبله بستة أشهر؛ فينبغي أن نُري ربنا منا زيادة في العبادة، زيادة في الصوم حتى تتمرن الجوارح فلا تستقبل أول رمضان بتعب وإرهاق وعدم تركيز لقراءة القرآن أو الصلاة والقيام، قال الله -عز وجل-: {وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً} [التوبة: 46].

وتابع الداعية الإسلامي: ويكون الاستعداد كذلك بالقرآن وقد كان السلف يسمّون شهر شعبان شهر القرّاء، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ذلك شهر بين رجب ورمضان يغفل عنه كثير من الناس"، وكان أحدهم يغلق حانوته ودكانه ويتفرغ لقراءة القرآن، وكان الشافعي يدخر من الرزق حتى يتفرغ للعبادة في رمضان، يدخر لأجل العبادة، لأجل الصدقة، لأجل العمرة. ومن صدق الاستعداد كذلك ادخار أيام الإجازات لأجل الاعتكاف، وقال ابن حجر -رحمه الله- في فتح الباري: "كان السلف إذا دخل شعبان أكبوا على المصاحف وأخرجوا الزكاة"، منوهًا بأنه لا ينبغي أن تكون عبادتنا في صفر مثل رجب مثل شعبان.

وأوضح الدكتور أسامة عبد المنصف "كيف يكون يوم المسلم في رمضان؟" قائلًا: إن يومنا يبدأ من صلاة الفجر، مع الاهتمام بحضور القلب في الأعمال أكثر من ذي قبل؛ فعند الوضوء لصلاة الفجر نسبغ الوضوء، مشيرًا إلى أن إسباغ الوضوء قد يكون سببًا في العتق من النار، ناصحًا بالحرص على ترديد الأذان محتسبًا، لما له من فضيلة عظيمة، والدعاء بين الأذان والإقامة؛ فهو من أوقات الإجابة مع كونه في رمضان أيضًا فيكون مظنة لإجابة الدعاء، ثم صلاة سنة الفجر، فهي خير من الدنيا وما فيها.

وتابع: والحرص على صلاة الفجر في جماعة، مع التركيز على الخشوع في الصلاة، والاجتهاد في المحافظة على الصف الأول، وعلى تكبيرة الإحرام، ثم يقول أذكار الصلاة، منوهًا بأن الله -سبحانه وتعالى- وصف الذكر بأنه يكون تضرعًا وخيفة، ثم بعد الانتهاء من أذكار الصلاة، نبدأ بأذكار الصباح، ثم جلسة الشروق، ثم الصلوات في جماعة كلها، من الظهر والعصر مع الأذكار الموظفة بعد العصر، ثم يقول قبل المغرب الدعاء، مع توزيع بعض التمرات على الصائمين؛ حتى نأخذ أجر تفطير الصائم.

كما أوصى الداعية الإسلامي بإخراج الصدقات، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله يقبل الصدقة بيمينه سبحانه وتعالى"، ناصحًا كذلك بمساعدة الأهل في تحضير الإفطار، لافتًا إلى أن الوقت بين المغرب والعشاء كان السلف يسمونه وقت غفلة، فكان كثير من السلف يحيه بقيام الليل، فيصلي ركعات قيام ليل بين المغرب والعشاء، ثم تنزل للمسجد، وتصلي مع الإمام حتى ينصرف، فيكتب لك أجر قيام ليلة، مؤكدًا على المذاكرة بالنسبة للطلبة، مشيرًا إلى أننا نريد أن نخرج من رمضان منطلقين للثبات على الطاعة، فندخل بنفس لوامة ونفس أمارة بالسوء، ونخرج منه بنفس مطمئنة، مؤكدًا على قراءة القرآن، واستغلال المواصلات في قراءته.