التنافس الغربي والروسي على أفريقيا يزداد

خبراء: موسكو تتوغل رسميًا الآن عبر القواعد العسكرية.. وضعف دول القارة سبب الأطماع

  • 12
الفتح - أرشيفية

لا يزال الحلم الروسي والغربي والصيني على حد سواء بالوجود والتوغل في إفريقيا واستغلال مواردها قائمًا، وسيظل طالما أن الدول الإفريقية ضعيفة وتتلاعب بحكوماتها الأنظمة الغربية، وبطبيعة الحال يوجد تنافس أمريكي روسي داخل القارة وأي تحرك لأي طرف يثير قلق الطرف الآخر؛ فالتقارب بين موسكو والجنرال عبد الرحمن تشياني رئيس المجلس الوطني في النيجر يثير مخاوف واشنطن من فقدان نفوذها الحيوي في غرب القارة، خاصةً في أعقاب الانتكاسة الاستراتيجية لأمريكا خلال مكافحتها الإرهاب ضد الجماعات المتطرفة بالمنطقة، وإعلان النيجر في منتصف مارس الماضي إلغاء الاتفاقية العسكرية مع أمريكا التي كانت سارية منذ عام 2012م، ولا يزال هناك نحو 1000 عسكري ومدني أمريكي في النيجر.

وتنظر أمريكا لهذا القرار على أنه سيؤدي إلى إغلاق القاعدة الجوية الأمريكية 201، وتخشى من أن يؤدي فقدان قواعدها بالنيجر إلى المخاطرة بالدولة المجاورة لبوركينا فاسو ومالي من خلال الوقوع تحت هيمنة روسيا.

الحلم الروسي

في هذا الصدد، قال عامر تمام، الكاتب والباحث في الشؤون الآسيوية، إن الحلم الروسي بإقامة قاعدة عسكرية ساحلية في إفريقيا قديم وليس وليد اللحظة؛ وتحديدًا خلال عام 2017م تفاوض الروس مع الرئيس السوداني عمر البشير لإقامة قاعدة عسكرية في بورتسودان، وحصلت موسكو حينذاك على وعد أو اتفاق مبدئي على إقامتها لكن الإطاحة بالبشير ونظامه في عام 2019م أوقف المشروع، لكنها بدأت تحقيقه في إفريقيا الوسطى، وقاعدتها هناك مجرد بداية لوجود أكبر بالقارة.

وأضاف تمَّام في تصريحات خاصة نشرتها جريدة "الفتح" الورقية: أن روسيا بدأت وجودها داخل القارة السمراء بصورة ميليشياتية عبر قوات "فاجنر" التي انتشرت في عدة دول، لدعم بعض الفرق المسلحة أو غير ذلك، أما الآن فهي تتوغل بصورة رسمية عبر قواعد عسكرية وهذا بالطبع يقلق أمريكا والغرب.

وأردف أن الوجود العسكري الروسي في إفريقيا يمنحها نفوذًا سياسيًّا واقتصاديًّا، وهناك تنافس كبير بين روسيا والصين وأمريكا والاتحاد الأوروبي عمومًا داخل القارة، وأوروبا تنظر إلى الوجود الروسي على أنه يركز بصورة كبيرة على الجوانب السياسية والعسكرية والأمنية، في أن الوجود الصيني يركز على الجانب الاقتصادي بصورة أكبرـ مشيرًا إلى أن موسكو تسعى من خلال وجودها بإفريقيا إلى عقد اتفاقات للحصول على موارد طبيعية بأسعار مخفضة، لا سيما أن القارة غنية بالموارد الطبيعية المتعددة كالذهب والبترول والمعادن الكثيرة، وإقامة اتفاقات استثمارية عبر شركات روسية تسهم في بناء أو تطوير البنى التحتية الإفريقية؛ فالوجود الروسي داخل القارة صار أمرًا واقعًا لكن لا يمكن نسيان الوجود الأمريكي أيضًا الذي سيسعى بشتى السبل لعرقلة الاتفاقيات الروسية والوجود الروسي من الأساس.

وأكد الباحث السياسي أن الدول الإفريقية لديها مشكلة كبرى وهي أنها تمثل الطرف الضعيف في هذه اللعبة، وربما لو كان وضع الأنظمة الإفريقية الحاكمة أفضل مما هي عليه الآن لاستغلت تلك الظروف في تحقيق أكبر قدر من المكاسب، ولقامت بعدة مناورات سياسية حققت من خلالها أفضل المكاسب من جميع الأطراف سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي عبر المشروعات الاستثمارية المختلفة لا سيما ما يتعلق بالبنى التحتية، والاستفادة من الموارد الطبيعية وبيعها بصورة أفضل مما هي عليه الآن، خصوصًا مع وجود رغبة ملحة روسية وصينية وأمريكية وغربية في الوجود داخل إفريقيا، لكنّ هناك عددًا لا بأس به من الأنظمة الفاسدة، وكذلك قادة ميليشيات وقادة عسكريين فاسدين يغلِّبون المصلحة الخاصة على المصالح العامة؛ وبناء عليه فهم مجرد أوراق في اللعبة الكبرى للأنظمة العالمية وليسوا طرفًا فاعلًا فيها.

وتابع أن الغرب -وعلى رأسه أمريكا- سيكثف تحركاته داخل القارة السمراء خلال الفترة المقبلة، لا سيما أن "أفريكوم" مختص بالوجود العسكري الأمريكي داخل القارة، وستسعى واشنطن لمنع موسكو من إقامة قواعد عسكرية أو حتى على الأقل الضغط على القادة الأفارقة لمنع الوجود الروسي، وربما دعم ميليشيا أخرى، وربما إحداث انقلابات عسكرية للإتيان بأنظمة موالية للغرب وليس روسيا، كل شيء وارد لكن المؤكد أن الغرب المتمثل في الاتحاد الأوروبي وأمريكا سيعمل جاهدًا لوقف الوجود العسكري الروسي داخل إفريقيا.

في حين ترى ساجدة السيد، الكاتبة والمحللة السياسية، أن إلغاء الاتفاقية له تأثير سلبي على المصالح الأمريكية بالمنطقة؛ فهدف أمريكا الأساس من وجودها في منطقة الساحل الإفريقي اقتصادي من خلال الاستفادة بالثروات الطبيعية الهائلة، واستغلت غياب الأمن في المنطقة نتيجة الأعمال الإرهابية لبعض الجماعات المسلحة وعززت علاقاتها مع دول المنطقة وعلى رأسها النيجر، واتخذتها ذريعة لوجودها. 

وأضافت "السيد" في تصريح صحفي أن إلغاء الاتفاقية سيزيد التعاون بين موسكو ونيامي، وروسيا تسعى لاستغلال أي ضعف في العلاقات بين النيجر والدول الغربية وعلى رأسها أمريكا؛ كي تستخدمها كورقة رابحة لتوسيع وتنامي نفوذها الإقليمي والتغلغل في المنطقة.