هلع جزائري بسبب فوضى المهاجرين الأفارقة

  • 7
الفتح - أرشيفية

تتجه العلاقات بين الجزائر وجيرانها الجنوبيين نحو مزيد من التوتر بعد استدعائها سفير النيجر لديها ردًّا على خطوة مماثلة من نيامي التي اتهمت الجارة الشمالية بسوء التعامل مع المهاجرين غير الشرعيين النيجريين.

وفي وقت تم احتواء الوضع المتأزم بين الجزائر والنيجر بعد "اهتزاز" علاقاتهما الثنائية على خلفية ملف "ترحيل مواطني النيجر المقيمين بصورة غير قانونية في الجزائر"، ظهر مسؤول دائرة الهجرة في وزارة الداخلية الجزائرية السابق حسان قاسيمي في تصريحات إلى الإذاعة الحكومية محذراً من مخطط لإغراق جنوب الجزائر بالمهاجرين، موجها اتهامات للسلطات النيجرية بالتواطؤ مع جهات أخرى لضرب الجزائر باستعمال ورقة المهاجرين.

وقال قاسيمي: "مخطط ماكر يستهدف تغيير التركيبة الديموغرافية للولايات الحدودية الواقعة في الجنوب الكبير؛ بما يسهل ضرب وحدة واستقرار البلاد في المستقبل". داعيا الحكومة إلى ضرورة التحرك بسرعة لإفشال هذه السيناريوهات التي يجري إعدادها في غرف مظلمة من قبل دوائر ودول تكنّ العداء للجزائر.

واقترح تكليف وزارة العدل إعداد مشروع قانون لمكافحة شبكات الاتجار وتهريب المهاجرين وعرضه على غرفتي البرلمان للمصادقة، تماشيا مع الاتفاقات الدولية المتعارف عليها وأبرزها "اتفاقية باليرمو". مشددا على ضرورة مضاعفة الجزائر مراكز ونقاط المراقبة على الحدود مع كل من النيجر ومالي بهدف الحد من نشاط هذه العصابات، ودرء الأخطار عن البلاد، وتكثيف التعاون والتنسيق بين قوات الجيش وأفراد الدرك الوطني وحرس الحدود.

ونبّه مسؤول دائرة الهجرة السابق إلى أن السلطات المنبثقة من الانقلاب العسكري في النيجر أقدمت خلال الفترة الأخيرة على تعليق العمل بأحكام القانون المصدق عليه من الحكومة الشرعية في نيامي عام 2015، القاضي بملاحقة وتجريم شبكات الإتجار وتهريب المهاجرين؛ مما يشجع على تنامي نشاط هذه الشبكات الإجرامية عبر الحدود الجزائرية، ويفتح الطريق أمام موجات جديدة لتدفق المهاجرين الأفارقة بالآلاف إلى منطقة شمال أفريقيا تحديدا الجزائر.

ووفق قاسيمي، تفيد الإحصاءات الصادرة عن المنظمات الدولية المتابعة لنشاط الشبكات المختصة في تهريب المهاجرين بالقارة الأفريقية بأن عائدات عمليات التهريب تفوق المليار دولار سنويا؛ مما يجعلها تفوق أحيانا الأرباح الناجمة عن تجارة وتهريب المخدرات. مشيرا إلى أن هذه الشبكات الإجرامية مرتبطة بدوائر قوية وذات نفوذ ضمن السلطات المنبثقة من الانقلاب العسكري في النيجر؛ مما يفسر قرار تعليق العمل بقانون مكافحة العصابات الإجرامية الناشطة في مجال تهريب المهاجرين.

على خط التوتر

وكان ملف المهاجرين السريين النيجريين متحكماً فيه إلى حد ما بين الجزائر ونيامي وفق اتفاقات ثنائية، لا سيما ما يتعلق بعمليات الترحيل، لكن سلطات النيجر آثرت أسلوباً آخر غير معتاد من خلال التصعيد مع الجانب الجزائري؛ فبعد استدعائها سفير الجزائر جاء الدور على ممثلة منظمة الهجرة الدولية التي أُطلعت على العمليات الواسعة لإعادة المهاجرين غير النظاميين وطردهم، والتي نفذتها السلطات الجزائرية خلال الأيام الأخيرة، ووفق بيان خارجية النيجر فإن هذا الوضع إلى جانب كونه عبئاً إضافيا على السلطات النيجرية في شأن إدارة الأمور الأمنية والإنسانية، ينتهك أيضاً كرامة المهاجرين أنفسهم.

ولم تتأخر الجزائر في الرد واستدعت سفير النيجر لديها "أمينو أمينو مالام مانزو" وذكّرته بوجود إطار ثنائي مخصص لهذه المسألة يتعلق بترحيل المهاجرين غير الشرعيين، ولفتت إلى أن هذا الإطار يجب أن يبقى الفضاء المفضل لمناقشة ومعالجة كل المعطيات والتطورات المرتبطة بهذه القضية، مبدية تمسكها الراسخ بالقواعد الأساسية لحسن الجوار وإرادتها مواصلة التنسيق مع النيجر في شأن هذه القضية المتعلقة بتدفقات الهجرة، وكذلك بخصوص أية مسألة أخرى في إطار الاحترام المتبادل وعلى أساس قيم التعاون والثقة والتضامن.

لم يكتفِ المسؤول السابق بوزارة الداخلية الجزائرية حسان قاسيمي بتصريحاته إلى إذاعة بلاده، فكتب منشوراً على حسابه بموقع "فيسبوك" جاء فيه أن سلطات النيجر حولت عمداً مدينة أغاديس إلى مركز للهجرة يمر من خلاله أكثر من 500 ألف مهاجر سنويا باتجاه ليبيا والجزائر وتونس، مبرزاً أن هناك خطة مدمرة تسمى "كاليرجي" تستهدف نقل 8 ملايين مهاجر من جنوب الصحراء إلى الجزائر؛ بغرض تحويلها إلى مأوى لأعراق جديدة وجعل السكان في جنوب البلاد أقلية مثلما حدث في السودان وليبيا ومالي؛ مما يدفع نحو صراعات عنصرية وإثنية دامية.

وأضاف قاسيمي في المنشور الذي حمل عنوان "النيجر أو مملكة الاتجار بالمهاجرين والاتجار بالبشر": أن السلطات الانتقالية النيجرية ألغت قانون عام 2015 الذي يجرّم تجارة المهاجرين، معتبراً أن هذا الإجراء انتهاك لـ"اتفاقية باليرمو" الدولية عام 2000، بما في ذلك بروتوكولاتها الإضافية الخاصة بمكافحة تجارة المهاجرين والاتجار بالبشر.

سلطات الأمر الواقع

وأوضح أن هذه التدابير غير القانونية تستهدف أوروبا أيضاً من خلال زيادة عدد المهاجرين الذين يتوجهون إلى إيطاليا عبر تونس وليبيا. مشيراً إلى أن الأمر الأكثر خطورة هو أن النيجر تنظم مع شبكات التهريب عملية توجيه ومرافقة المهاجرين من دول الساحل ومجموعة الدول الاقتصادية لغرب أفريقيا إلى الجزائر وليبيا وتونس وأوروبا. محذراً من أن سلطات الانتقالية في النيجر أطلقت سراح جميع رؤساء شبكات المتاجرة بالمهاجرين والإتجار بالبشر.

وأبرز المسؤول السابق أنه ينبغي على النيجر أن تعلم أولاً أن الجزائر ترفض المهاجرين الذين يمرون عبر أراضيها بطريقة غير نظامية، ويجب عليها أن تعمل على إعادة آلاف الأطفال الذين جرى نقلهم بالقوة إلى الجزائر لممارسة التسول. معتبراً أن مثل هذا المشهد في المدن الجزائرية يعدّ غير لائق، ولا يمكن الاستمرار في تحمل هذه الشبكات الإجرامية النيجرية التي تعمل على ازدراء "اتفاقية حماية الأطفال" الدولية والتشريعات الوطنية.

في السياق ذاته، يرى البرلماني السابق في النيجر عمر الأنصاري أن "ترحيل المهاجرين حق سيادي للجزائر، ونشكرها على كرم ضيافة البقية من إخواننا المواطنين". مضيفاً أنه "ينبغي أن تنظر السلطات الجزائرية في أمرين أثناء ترحيل المهاجرين إلى النيجر: الأول من ناحية هويتهم باعتبارهم من حاملي جنسية النيجر. والثاني نقلهم بطرق سليمة بالتنسيق مع السلطات النيجرية وممثليها في الجزائر".

وأضاف الأنصاري في تصريح صحفي أن ما صدر من سلطات النيجر مجرد شعارات شعبوية للتغطية على فشلهم في تسيير المرحلة الانتقالية التي وعدوا بها، وادعائهم أن حماية المواطن النيجري مسؤولية الحكومة حيثما وجد سواء بالداخل أو الخارج، قائلاً: "إن كانت سلطات الأمر الواقع لا تعجبها وسيلة النقل الجزائرية فيجب عليها توفير وسيلة أفضل، أو التزام الصمت مراعاة لمشاعر المواطنين المهمشين في الداخل والخارج. أما أن تتخلى عن مسؤوليتها وتطالب بها أطرافاً أخرى، فذلك مما يدل على شعبويتها أو أنها مدفوعة من أطراف خارجية".

وتابع: "حكومة الأمر الواقع لا تمثل شعب النيجر وجاءت بعد انقلاب عسكري، وهي متذبذبة في مواقفها وغير مسؤولة في تصرفاتها، وأظن أن السلطات الجزائرية تدرك ذلك وتسايرها لكيلا يكون هناك انقطاع في علاقات الشعبين المتجاورين".

خلق أقليات إثنية

من جانبه، قال أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بريك الله حبيب: إن مخطط "كاليرجي" يسعى إلى تدمير البنية الديموغرافية في الجزائر عبر تسهيل تنقل ملايين المهاجرين غير الشرعيين؛ من أجل خلق أقلية إثنية تختفي معها بالتدريج الكثافة السكانية الأصلية؛ مما يجعل من السهل اختلاق الأعذار والمسوغات لبعث القلاقل والفتن في المناطق الحدودية.

وأضاف حبيب في تصريح صحفي: "المخطط نفسه الذي تسعى إليه بعض الجهات الأجنبية هنا في محافظة تندوف (جنوب غربي الجزائر) بالتعاون مع أطراف محلية". مشيراً إلى أن الهدف من ذلك خلق النزاعات وإثارة المشكلات القبلية والفتن، وتفكيك وحدة المجتمعات التي حافظت على نسيجها العام في ظل الأحداث التي تشهدها المنطقة.

وتابع: المسؤول الجزائري السابق حسان قاسيمي أثار جدلاً واسعاً بحديثه عن هذا المخطط الخطر الذي يستهدف نقل 8 ملايين مهاجر من جنوب الصحراء إلى الجزائر. موضحا أنه بات من الضروري التدخل العاجل من الجزائر ودول الجوار في أروقة الهيئات الدولية التي تُعنى بمثل هذه القضايا للحد منها.

يبدو أن الجزائر ليست أول من أثار الموضوع بعدما سبقتها تونس والمغرب في التحذير من المخطط؛ إذ عبّر عن هذا الهاجس بصورة مباشرة الرئيس التونسي قيس سعيد العام الماضي في أعقاب مقتل مواطن على يد رعية أجنبي أفريقي، حين شدد على وجوب اتخاذ إجراءات عاجلة لوقف تدفق المهاجرين غير النظاميين من أفريقيا جنوب الصحراء إلى بلاده، وندد بـ"مشروع إجرامي لتغيير التركيبة السكانية في البلاد".

وحرك الملف المغاربة الذين أطلقوا حملة تستعدي المهاجرين الأفارقة وتطالب بترحيلهم؛ فانتشرت على شبكات التواصل الاجتماعي منشورات ومقالات وصور تعبر عن تصاعد الخوف على الهوية وضياع بنية النسيج الاجتماعي، وتدعو إلى عدم توطين أفارقة جنوب الصحراء أو الزواج بهم أو تجنيسهم أو منحهم أوراق الإقامة.

أما في ليبيا التي تعاني هشاشة أمنية منذ فبراير 2011، فأخلّت الهجرة غير النظامية بوضعها الداخلي، لا سيما في مناطق الجنوب جراء حوادث الاقتتال المتفجرة بين القبائل الليبية الأصلية وقبائل أفريقية مهاجرة، في حين كانت أعداد الأفارقة في بعض القرى أكبر من عدد السكان الأصليين.