تقرير: دلالات القمة التركية الروسية بين توترات الماضي ومصالح المرحلة

  • 99
روسيا وتروكيا

حملت الزيارة الأخيرة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، للعاصمة التركية، أنقرة، العديد من الدلالات، لاسيما وقد حفلت العلاقة بينهما بالتوترات والخلافات حول جميع القضايا تقريباً، منذ عهد الدولة العثمانية التى كانت ترى فى روسيا دائماً عدواً لدوداً لها، بسبب السعى الروسي للسيطرة على المضايق التركية، من أجل تحقيق الحلم التاريخى بالوصول للمياه الدافئة ، إلا أن تركيا اليوم هى التى تستمد دفئها من الجار الروسي الذى جمعته بها المصالح الاقتصادية المشتركة، فتركيا تريد الحصول على الغاز الطبيعى بسعر مناسب ،وروسيا تبحث عن مشترى لغازها، فى وقت تعانى فيه من الحصار الاقتصادى الذى يحاول الغرب فرضه عليها .


فبعد الأزمة الأوكرانية-الروسية واقتطاع روسيا شبه جزيرة القرم من جارتها اوكرانيا، وسعيها لالتهام المزيد من الأراضى فى الأقاليم الشرقية الأوكرانية، بدأ الغرب يتدخل بقوة لحماية حدود نفوذه الشرقية ، فى مشهد يذكر بفترة الحرب الباردة،و الصراع بين المعسكرين الشرقى والغربى ،الذى وصل لتقاسم مناطق النفوذ، لينتهى بانهيار الاتحاد السوفيتى لتنفرد الولايات المتحدة بتوجيه دفة السياسة العالمية، إلا إن روسيا بوتين، العائدة بقوة إلى تصدر المشهد السياسي الدولى، تدرك أن الظرف غير الظرف، إلا أن ذلك لا يمنعها من اقتناص فرصة ترهل القوة العجوز، وأن تحاول استعادة ولو شيئا من نفوذ الماضى ولو على الأقل فى دائرة نفوذها السابقة فى أسيا الوسطى وشرق أوروبا، كما حدث فى الأزمتين الجورجية والأوكرانية، وتحاول أن تخفف من آثار العقوبات التى يفرضها عليها الغرب لتقييد انطلاقتها ولجم نفوذها، عن طريق سعيها لتوسيع قاعدة شركائها، ولو كانوا من أعدائها التاريخيين كما هو الحال مع تركيا.


وكذلك تركيا التى اهتزت ثقتها بحليف الأمس، الولايات المتحدة الأمريكية، تحاول المناورة عن طريق تقليل اعتماديتها على الغرب وتنويع مصادرها الاقتصادية، لاسيما بعد موقفها السلبى الأخير من الحرب على داعش، حيث أغضبت الغرب بتغاضيها عن عدو للغرب يمرح على طول شريطها الحدودى الجنوبى، ورفضها المشاركة بجانب حلفائها الغربيين فى حرب يمكن رؤيتها بالعين المجردة من داخل تركيا، وسط اتهامات غربية لها بدعم تنظيم داعش ، وفشل الغرب فى إقناع الأتراك بالعدول عن فكرة إقامة منطقة حظر جوى بالشمال السورى.


فهى المصالح إذاً التى جمعت أعداء الأمس على مائدة المصلحة، مما حدا بالمراقبين لوصف التقارب الأخير بين البلدين بأنه تقارب تكتيكى لا يعبر عن تحول استراتيجى فى العلاقة بينهما، بل سرعان ما ينفض بتغير موازين المصالح لدى أحد الطرفين.