هل ينجح الأتراك فى استعادة لغتهم؟

  • 118
أوغلو

أثار عزم الحكومة التركية الحالية بدء تدريس اللغة العثمانية بالمدارس التركية، موجة عاصفة من الانتقادات من جانب العلمانيين فى تركيا الذين رأوا فيها خطوة على سبيل أسلمة تركيا والعودة بها لجذورها التاريخية الاسلامية، فى حين حين دافع مؤيدوا القرار عن الخطوة باعتبار اللغة العثمانية جزء من المنظومة الثقافية للدولة ككل وليست خطوة موجهة ضد طرف بعينه.

واللغة العثمانية هى الوجه القديم للغة التركية الحالية، حيث قام أتاتورك، بعد إلغائه للخلافة العثمانية بتحويل كتابة اللغة التركية لتكتب بالحروف اللاتينية بدلاً من الحروف العربية، و تمت تنقية اللغة من كم ضخم من المصطلحات العربية وتطعيمها بالمصطلحات الغربية.

وكان أتاتورك أمر في نوفمبر 1928 بتحويل أبجدية كتابة اللغة التركية من الحروف العربية إلى اللاتينية، محاولاً إزالة الكلمات العربية ووضع كلمات تركية قديمة أو فرنسية بدلاً عنها، ليصبح بين ليلة وضحاها 9 ملايين تركي كانوا يشكّلون تعداد سكان تركيا حينها، أميون لا يجيدون قراءة وكتابة اللغة الجديدة، ولتبقى اللغة العثمانية منحصرة في أقسام الأدب التركي في الجامعات، وفى 12 يوليو 1932تم إنشاء اتحاد اللغة التركية لتنظيم اللغة التركية، واستكمال مسيرة تحريفها.

وأدت هذه الخطوة إلى وضع حاجز لغوي بين الشعب التركي وتراثه العثماني الإسلامي، وأدى الاستمرار المكثف والنشيط والمستمر لعملية تتريك اللغة و تغريبها إلى خلق حواجز بين الأجيال التركية المختلفة أيضا، وأدى إلى خلق بعض الصعوبات في التفاهم اللغوي بين الأجداد والآباء والأبناء، الذين صاروا يستخدمون مصطلحات وتعبيرات لم يعهدها آباؤهم، مما جعل الشباب المسلم التركي ينقطع عن جذوره بحيث لايستطيع قراءة القرآن والسنة أو حتى الكنوز المعرفية التي كتبت طيلة600سنة إلا بعد ترجمتها.

ومن المثير للسخرية أن أتاتورك نفسه عندما ألقى خطابه الشهير أمام البرلمان التركي عام1927م تحدث بالتركية العثمانية، ولكن بما أن خطابه هذا لايفهمه جيل الأتراك الحاليين تمت ترجمته ثلاث مرات أعوام 1995،1986،1963 ليستطيع فهمه كل جيل بسبب التغييرات المستمرة فى بنيان اللغة التركية!!

وبرغم هذه الجهود الحثيثة لاستئصال التأثير العربى فى اللغة التركية لا يزال تأثير العربية فيها قوياً واضحاً ، حيث تصل نسبة الكلمات العربية المستعملة في اللغة التركية أكثر من 30%، حسب دراسة أعدها الأكاديمى السعودى عبدالله مبشر الطرازى ، جمع فيها نحو ستة آلاف كلمة عربية خالصة موجودة فى اللغة التركية بالإضافة إلى مئات من الكلمات المركبة من اللغتين معاً.

وكان الرئيس التركى، رجب طيب أردوغان، أكد أن الدولة عازمة على إدراج اللغة العثمانية في المناهج التدريسية الرسمية، وانتقد معارضي القرار في كلمة ألقاها خلال مشاركته في مجلس الشورى الديني الخامس، الذي نظمته رئاسة الشؤون الدينية التركية في العاصمة أنقرة ، واعداً بإدراج اللغة العثمانية في المناهج المدرسية، "سواء شاء المعارضون أم أبوا" حسب تعبيره.
وكانت الهيئة العامة لمجلس شورى التربية الوطنية في تركيا قد أوصت بإدراج اللغة العثمانية كمادة في المناهج الدراسية الرسمية، مما يعني أنه بات بإمكان وزارة التربية إعداد مشروع قانون يُقدّم أمام البرلمان، إذ من المفترض أن تكون الدروس اختيارية لطلاب المرحلة الثانوية.

وأثارت التوصية جدلاً سياسياً واسعاً لدى أوساط المعارضة، إذ انتقد حزب "الشعب الجمهوري" المعارض تلك الخطوة، معتبراً أن من الأولى إدراج مواد علمية في المناهج بدلاً من اللغة العثمانية، متهماً "العدالة والتنمية" بمحاولة فرض أيديولوجيته على الشعب التركي من خلال التعليم.
عقبات أمام المشروع
أول عقبة هى عدم وجود مختصين باللغة العثمانية أو الحروف العربية، فهذه اللغة القديمة موجودة الآن في الجامعات التركية، في أقسام التاريخ والآثار ، وهي تدرس لمن يمكن أن يتخصص لاحقا في التاريخ العثماني ليتمكن من استخدام المخطوطات والوثائق.
فقد تبقى العثمانية لغة ثانية على أحسن تقدير ، ولن يستخدمها الفرد سوى في مناسبات محددة، هذا إذا استمر متذكرا لها بعد انتهاء المرحلة الثانوية، باعتبارها لغة مكتوبة، كما اللاتينية، أي غير متداولة شفهياً بين الناس،كما هو الحال فى ماليزيا واندونيسيا حيث يحفظ الطلاب قواعد اللغة العربية ويمتحنون عليها فى حين لا يستطيعون التحدث بها لمدة دقيقتين.
صحيح أن هذه اللغة العثمانية فيها الكثير من الكلمات المستخدمة الآن في اللغة التركية الحديثة، كما الكثير من قواعد النحو ، لكن الحقيقة أيضا أن الكثير من قواعدها اللغوية، و مفرداتها سقطت من اللغة الحالية.
بالإضافة إلى المعارضة الشديدة من التيار العلمانى الذى يتهم الحكومة بالعمل على تغيير وعي الهوية الوطنية التركية من خلال التعليم، وذلك بنقلها من الهوية القومية التركية الضيقة، التي بناها مؤسس الجمهورية، مصطفى كمال أتاتورك، إلى تلك المسماة "العثمانية الجديدة".


حيث هاجم زعيم "الشعب الجمهوري"، كمال كلجدار أوغلو، تعليم اللغة العثمانية المكتوبة بالأبجدية العربية معتبرا أنه لا يحقق أية فائدة للطالب التركي، سوى القدرة على قراءة شواهد القبور القديمة.
مما أثار غضب رئيس الوزراء التركي، أحمد داود أوغلو، الذي رد عليه قائلا:"يحق لهم القول إنه لم تبقَ إلا شواهد القبور لتُقرأ بالعثمانية، ففي عهد الحزب الواحد عندما كان الشعب الجمهوري حاكماً لم يَنجُ من التخريب المتعمد للتاريخ إلا شواهد القبور"، مضيفاً: "لمَ هذا العداء تجاه التاريخ، وهذه الحساسية تجاه العثمانيين، إن العثمانية هي اللغة التركية وليست لغة أعداء ؟"