محورية الأزمة اليمنية في الاستراتجيات الأمريكية والإيرانية

  • 102
صورة أرشيفية

حالة من السكون تسود المواقف العربية والدولية تجاه احتلال المتمردين الحوثيين للعاصمة اليمنية صنعاء، لا تعكس فعليا حقيقة حسابات هذه القوى، فالأحداث على أرض اليمن تتجاوز حدود الرقعة الجغرافية والآفاق السياسية المحدودة فى ضوء أهمية "الجيوستراتيجية" بالنسبة للأمن القومى العربي، والمسار الجديد لتحركات الولايات المتحدة إقليميا ودوليًا.


ثلاثة جوانب يجدر بنا أن نتوقف أمامهم نظرا لمحوريتهم فى الكشف عن الحسابات الإقليمية والدولية من الأحداث فى اليمن.
الأول: السيطرة التامة للمتمردين الحوثيين على كافة أنحاء العاصمة صنعاء بجميع مؤسساتها الحكومية باستثناء قصر الرئاسة، وقيام مسلحيهم بعمليات (بلباسهم التقليدى) بتفتيش عناصر الجيش اليمنى، بل إن بعضهم ظهر باللباس الرسمي لقوات الأمن الخاص وحرس المنشآت وعلى متن الدوريات التابعة لقوات الحماية الرئاسية مع تداول معلومات حول موافقة وزارة الدفاع على تجنيد أعداد كبيرة من الحوثيين المشاركين في اللجان الشعبية المسلحة ليصل عددهم إلى نحو 20 ألف شخص.


الثاني: خروج تظاهرة لشباب ثورة 11 فبراير ضد الوجود الحوثي المسلح في العاصمة، وندد المتظاهرون الذين جابوا بعض شوارع صنعاء بانتشار المسلحين الحوثيين ونصبهم نقاط تفتيش في الشوارع، كما طالبوا بإعادة مؤسسات الدولة إلى سلطة الأمن اليمني وشددوا على أهمية تسليم الحوثي للسلاح الثقيل الذي نهبته المليشيات من معسكرات الجيش.


الثالث: تبنى جماعة أنصار الشريعة وتنظيم القاعدة فى جزيرة العرب ثلاث هجمات على مسلحين حوثيين فى صنعاء ومحافظة عمران ومأرب باستخدام القنابل وسيارة مفخخة، أسفرت عن سقوط عشرات القتلى والجرحى فى صفوفهم.


يحاول الحوثيون من خلال السيطرة على جميع المؤسسات السيادية والحيوية بالعاصمة باستثناء قصر الرئاسة المحاصر، وارتدائهم الزى العسكرى الرسمى للدولة أن يتجاوزا نموذج حزب الله فى لبنان إلى نموذج الجيش العراقى الطائفى تحت ولاية رئيس الوزراء الشيعى السابق نورى المالكى، حتى وإن كان رئيس الوزراء الجديد أحمد عوض بن مبارك ليس منهم، لكنه من المعروف أنه لن يستطيع أن يمضى على ورقة قبل موافقة عبد الملك الحوثي عليها.


تبدو إيران حريصة أن يتمكن أتباعها من الحوثيين من "ابتلاع" الدولة اليمنية استغلالا لحالة الارتباك فى المواقف السياسية العربية والانقسام الخليجى، وانشغال السعودية والإمارات من جانب بملف الحرب على داعش، وانشغال مصر على الجانب الآخر بالتوترات الأمنية فى ليبيا وأوضاعها الداخلية.
من جهة أخرى، فإن إيران تحاول استرضاء واللعب على طموح القوى الانفصالية فى جنوب اليمن من خلال التأكيد على دعمها لهذا المسعى مستغلة علاقتها الوثيقة بالحراك الجنوبي، وإن كانت ستحاول إقناعهم بالقبول بطرح دولة فيدرالية بين الشمال والجنوب تمهد لانفصاله على غرار تجربة جنوب السودان؛ وهو ما سيمكن طهران من بسيط سيطرتها على المدخل الجنوبي للبحر الأحمر فى ضوء حضورها القوى فى ميناء مصوع الإريترى الذى يتحكم فى الجانب الأفريقي من المدخل، وسواء فى حال اعتماد النظام الفيدرالى أو انفصال جنوب اليمن، فإن إيران ستتمكن من خلال حضور سفنها من مراقبة غرب المحيط الهندى.


هذه السيطرة لن تتوقف عند التحكم فى أحد مفاتيح الأمن القومي العربي السني، وإنما ستشمل أيضًا تعزيز التواصل وإنشاء محطة دعم أمامية لأتباعها من الشيعة فى شرق أفريقيا خاصة فى الصومال وكينيا وجزر القمر سيكون لها تأثير كبير على جهودها فى نشر التشيع فى هذه الجهات.
بالمقابل فإن هدوء موقف البيت الأبيض تجاه التغول الحوثي الذى أثار استياء البعض وربما اندهاشهم، يبدو منطقيًا فى إطار توجه الإدارة الأمريكية نحو تطويق الصين، فوفق حساباتها فإن تزايد فرص انفصال جنوب اليمن عقب الأحداث الأخيرة، سيعزز من إمكانية إنشاء قاعدة عسكرية أمريكية على أراضيه تراقب منها التحركات الصينية تجاه أفريقيا، وتضع معها نهاية لمقولة "إن البحر الأحمر بحيرة عربية"، هذه القاعدة الأمريكية سيصبح تأمينها ميسورا نتيجة استنزاف قدرات حركة أنصار الشريعة اليمنية وتنظيم القاعدة فى جزيرة العرب فى حربهما ضد الحوثيين، وللتراجع الكبير فى قوة حركة شباب المجاهدين الصومالية.


الولايات المتحدة لن تحاول الآن إعادة شن ضرباتها الجوية ضد عناصر تنظيم القاعدة فى اليمن؛ حتى لا تكسبه تعاطفا شعبيا قد يغير من موازين الوضع الحالي، ولكنها ستكتفي بترك التنظيم يستنزف فى قتاله مع الحوثيين، ثم تعلن عن وجود صلات بين التنظيم وداعش فتبادر بشن غارات مركزة تستهدف قياداته، لتترك التنظيم فى شكل مجموعات قتالية صغيرة محدودة الخطورة على مصالحها.


على الجانب الآخر، فإن عدم لجوء أنصار الشريعة وتنظيم القاعدة للدخول فى اشتباكات مسلحة كبيرة مع الحوثيين والاكتفاء بشن هجمات بالقنابل والسيارات المفخخة، فهذا يعود لإدراك قيادتهما أن الهزيمة ستكون مصيرهما فى أى اشتباكات كبرى مع الحوثيين نظرا لغياب ظهير شعبي وقواعد لوجستية لهما فى صنعاء والشمال؛ لذا فإن شن هذه الهجمات المركزة الخاطفة قد تمكن التنظيمان من استقطاب عدد من الشباب السنى الغاضب من الهيمنة الحوثية الشيعية على البلاد؛ مما يمهد لعمليات عسكرية أكبر لاحقًا.


من جهته، خرج شباب 11 فبراير فى مظاهرة بالعاصمة صنعاء ضد سيطرة الحوثيين على العاصمة، وندد المتظاهرون الذين جابوا بعض شوارع صنعاء بانتشار المسلحين الحوثيين ونصبهم نقاط تفتيش في الشوارع. كما طالبوا بإعادة مؤسسات الدولة إلى سلطة الأمن اليمني، وشددوا على أهمية تسليم الحوثي للسلاح الثقيل الذي نهبته المليشيات من معسكرات الجيش.


هذه المجموعات الشبابية تحاول إثبات وجودها على الأرض والحفاظ على ما تبقى من ثورتهم وتأكيد مبادئها بشأن مدنية الدولة ووقف خطفها على يد الحوثيين، رغم إدراكها أن القرار الآن فى الدولة بيد الحوثيين لأنهم الأقوى عسكريًا، إلا أن هناك آمال تتردد فى نفوس من هزموا أمام الحوثيين أو تجنبوا قتالهم فى أن يرتكب الحوثيون حماقات بقمع المظاهرات الشبابية المعارضة لهم بوحشية، وحينها ستتحرك منظمات حقوق الإنسان الغربية ضد الحوثيين، باعتبارهم نموذجا للفاشية الدينية و "داعش الشيعية"، ويصبح بالإمكان تحويل الوضع على الأرض إلى ثورة جديدة تتحد خلفها كل القوى من أجل الإطاحة بهم، وهو سيناريو سيلقى ترحيبا عربيا واسعا.


تعقيدات المصالح الإقليمية والدولية تجاه ما يجرى فى اليمن، هى التى ستتحكم فى مستقبل البلاد، حسبما ستسفر عنه هذه التجاذبات؛ نتيجة لتفتت الجبهة الداخلية، وارتباط أطرافها بقوى خارجية.