الإمام ابن حزم يرد على د/عبد المقصود (1-2)

  • 166

في مقالنا السابق تكلمنا عن البغاة الذين يخرجون على الإمام العادل بتأويل سائغ وفصلنا السيرة الشرعية في قتالهم كما بينها أهل العلم وخرجنا إلى القول بأن ما يحدث على أرض مصر منذ أكثر من سنة إلى يومنا هذا ليس منه في شيء؛ لأن الحاكم ليس ولي أمر شرعي ولا من خرجوا في مظاهرات يطالبون بحقوق لهم أو رفع مظالم بغاة! فالأول لم تتوافر فيه شروط الإمامة ولا المتظاهرون تنطبق عليهم شروط البغاة.

وبينا أن هذه الفتن الواقعة إلى يومنا هذا إنما هي بسبب هذا الخلط؛ لذلك حرصت الدعوة السلفية منذ تبنيها دعم الدكتور محمد مرسي أن تؤكد أنها تدعمه على أنه رئيس جمهورية وليس أمير المؤمنين وهم أقروا بذلك وكل ذلك خوفا من وقوع هذه المفاسد التي وقعت .

- هذا ما بينته في المقال السابق لكن وُجد من الدعاة من تبني هذا المحذور الذي حذرت منه الدعوة وتبناه رموز الإخوان -خاصة قبيل 30/6- مع أنهم صرحوا بأنهم يرفضون ذلك واستنكروا فتوى الدكتور محمود شعبان لما أفتى بلازم ذلك من قتل الخارجين على الإمام محمد مرسي!!

- وكان ممن ينظرون هذه النظرة الدكتور محمد عبد المقصود الذي خرج منذ أيام على قناة رابعة يصرح بذلك في كلام متناقض داخَله كثير من السب والشتم للمخالفين له من المشايخ المصرح بذلك والساكت، بل وعامة الشعب!! وصرح بلازم ذلك من مخالفات عظيمة لا تأتي على البلاد والعباد إلا بمزيد من الفتن وإراقة الدماء والاعتقالات !

- ولعل من لازم ذلك القول أيضا هذا السب والتكفير المقنع لمشايخ حزب النور وخاصة الشيخ ياسر -حفظه الله- الذي قال عنه: يبيع دينه بعرض من الدنيا - بلغني أنه بيوضب كتاب المنة عشان يوافق الوضع الجديد ولا أدري ماذا سيكتب فيه. يمكن يكتب "ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم المؤمنون" -يا منافق- هؤلاء المنافقون!!.-قابضين من المخابرات...

لأن بعض العلماء يجيز رمي الإنسان بالمنافق إذا ظهرت منه دلائل ذلك "كارتداده عند التحزيب على المؤمنين، وخذلانهم عند اجتماع العدو، كالذين قالوا: «لو نعلم قتالا لاتبعناكم»، وكونه إذا غلب المشركون التجأ معهم، وإن غلب المسلمون التجأ إليهم، ومدحه للمشركين بعض الأحيان، وموالاتهم من دون المؤمنين". الدرر السنية8/165

هذه الطامات هي لازم هذا التوصيف الخطأ، ومعلوم لكل منصف أن أعضاء حزب النور ليسوا بهذه الوصف -نعوذ بالله- فما ارتددنا عن ديننا ولا قام قتال شرعي بين مسلمين وكافرين فحملنا السلاح مع الكافرين ضد المسلمين ولا سارعنا في الكافرين!! إلا أن تقول بتكفير الجيش والشرطة والملايين التي خرجت في30/6 . وإنما كل ما فعلوه هو نصح دائم ومتكرر للدكتور محمد مرسي والإخوان حتى لا يكون السكوت فلما أبوا وتأزمت الأمور طلبوا منه الموافقة على انتخابات رئاسية مبكرة - الذي يطالب به البعض الآن بل البعض كما صرح سلامة عبد القوي نفسه محاور الدكتور عبد المقصود أن القضية الآن لم تعد شخص الدكتور محمد مرسي وإنما قضية حق وباطل!!

والسؤال الذي يقضي على هذا الجدل: إذا كان الأمر كذلك فلمَ كل الأحداث السابقة التي قتل فيها من قتل وسجن فيها من سجن؟- فلما رفضوا قلنا انتظروا خريطة الجيش رفضوا فقلنا لم يبق إلا سيناريو 54 والجزائر قالوا مستعدين! قلنا لسنا معكم في ذلك.

أبذلك نكون منافقين؟! إن لم نهلك مع من هلك وتضيع دعوتنا بل الدعوة في العالم الإسلامي نكون منافقين!! حسبنا الله ونعم الوكيل.

ومن دلائل صحة موقفنا طبقا لموازين المصالح والمفاسد والقدرة والعجز وفقه المآلات فرارك من مصر ومن معك بحجة حقن دمك!! أليست هذه هي الموازين الشريعة يا شيخ أم هو الكيل بمكيالين! ولمَ لم تستعمل هذه الموازين قبلُ!

وعلى كلٍّ هذه اتهامات في الوقت الضائع فقد بانت الحقائق والمآلات لكل ذي عينين، وصدق العلماء عندما قالوا "رجحان العمل يعرف من رجحان العاقبة!

فالحمد لله العواقب حميدة على دعوتنا وإخواننا وشعبنا وبلدنا، وكل ذلك بالرفق وإلانة القول والفعل والتواصل الجيد تكثيرا للخير والصلاح وتقليلا للشر والفساد".

- وأقول له: اتق الله فإنك ستسأل عن ذلك يوم القيامة، فأعد للسؤال جوابًا ماذا تقول لربك إذا سألك عن رميك لمسلم بما ليس فيه، قال- صلى الله عليه وسلم -:" ومن رمى مسلمًا بشيءٍ يريدُ شينَه به حبسَه اللهُ على جسرِ جهنمَ حتى يخرجَ مما قال". صحيح أبي داود رقم: 4883.

- وإياك والبغي فإنه ذنب معجل عقوبته في الدنيا ومن أسباب الإدالة والتغيير، قال شيخ الإسلام:

"والواجب على كل مسلم قادر أن يسعى في الإصلاح بينهم - أي بين الطائفتين المقتتلتين- ويأمرهم بما أمر الله به مهما أمكن ومن كان من الطائفتين يظن أنه مظلوم مبغي عليه فإذا صبر وعفا أعزه الله ونصره ; كما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (ما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله ; ولا نقصت صدقة من مال)، وقال تعالى:  (وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله}وقال تعالى :{إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم} {ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور} فالباغي الظالم ينتقم الله منه في الدنيا والآخرة ; فإن البغي مصرعه، قال ابن مسعود: ولو بغى جبل على جبل لجعل الله الباغي منهما دكا، ومن حكمة الشعر :

قضى الله أن البغي يصرع أهله          وأن على الباغي تدور الدوائر

ويشهد لهذا قوله تعالى: {إنما بغيكم على أنفسكم متاع الحياة} الآية ، وفي الحديث : {ما من ذنب أحرى أن يعجل لصاحبه العقوبة في الدنيا من البغي، وما حسنة أحرى أن يعجل لصاحبها الثواب من صلة الرحم} فمن كان من إحدى الطائفتين باغيا ظالما فليتق الله وليتب، ومن كان مظلوما مبغيا عليه وصبر كان له البشرى من الله، قال تعالى : {وبشر الصابرين} قال عمرو بن أوس هم الذين لا يظلمون إذا ظلموا، وقد قال تعالى للمؤمنين في حق عدوهم : {وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا} وقال يوسف عليه السلام لما فعل به إخوته ما فعلوا فصبر واتقى حتى نصره الله ودخلوا عليه وهو في عزه {قالوا أئنك لأنت يوسف قال أنا يوسف وهذا أخي قد من الله علينا إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين}فمن اتقى الله من هؤلاء وغيرهم بصدق وعدل، ولم يتعد حدود الله، وصبر على أذى الآخر وظلمه: لم يضره كيد الآخر؛ بل ينصره الله عليه .

وهذه الفتن سببها الذنوب والخطايا، فعلى كل من الطائفتين أن يستغفر الله ويتوب إليه فإن ذلك يرفع العذاب، وينزل الرحمة، قال الله تعالى : {وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون}" الفتاوي35/82

عود على بدء

نعود إلي وصف الشيخ عبد المقصود لرئيس مصر السابق الدكتور مرسي بأنّه إمام عدل وأن من خرج في30/6 خارجون عليه بغاة وبالتالي فيجب الوقوف بجانب الإمام العدل وقتالهم معه، واستدل بكلام ابن حزم في الفصل الذي قال فيه:

باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .

(اتفقت الأمة كلها على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بلا خلاف من أحد منها؛ لقوله تعالى {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون}.

ثم اختلفوا في كيفيته؛ فذهب أهل السنة من القدماء من الصحابة رضي الله عنهم –فمن بعدهم، وهو قول أحمد بن حنبل وغيره، وهو قول سعد بن أبي وقاص وأسامة بن زيد، وابن عمر، ومحمد بن مسلمة وغيرهم إلى أن الغرض من ذلك إنّما هو بالقلب فقط ولابد، أو باللسان إن قدر على ذلك، ولا يكون باليد ولا بسلِّ السيوف ووضع السلاح أصلا.

وهو قول أبي بكر بن كيسان الأصم، وبه قالت الروافض كلهم ولو قُتلوا كلهم إلا أنّها لم تر ذلك الإمام يخرج الناطق، فإذا خرج وجب سل السيوف ولابد حينئذ معه، وإلا فلا، واقتدى أهل السنة في هذا بعثمان –رضي الله عنه- وبمن ذكرنا من الصحابة - رضي الله عنهم -، وبمن رأى القعود منهم.

إلا أن جميع القائلين بهذه المقالة من أهل السنّة إنما رأوا ذلك مالم يكن عدلا، فإن كان عدلا وقام عليه فاسق وجب عندهم بلا خلاف سل السيوف مع الإمام العادل، وقد روينا عن ابن عمر أنّه قال :- لا أدري من هي الفئة الباغية ؟

ولو علمتها ما سبقتني أنت ولا غيرك إلى قتالها.

قال وهذا الذي لا يظن بأولئك الصحابة –رضي الله عنهم– غيره.

*وذهبت طوائف من أهل السنة وجميع المعتزلة وجميع الخوارج والزيدية إلى أن سلّ السيوف في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب إذا لم يكن دفع المنكر إلا بذلك.

قالوا: فإذا كان أهل الحق في عصابة يمكنهم الدفع ولم ييأسوا من الظفر, ففرض عليهم ذلك.

وإن كانوا في عدد لا يرجون -لقلتهم وضعفهم -بظفر كانوا في سعة من ترك التغيير باليد.

وهذا قول على وكل من معه من الصحابة، وقول أم المؤمنين عائشة-رضي الله عنها – وطلحة والزبير وكل من كان معهم من الصحابة، وقول معاوية وعمرو وعدّد أسماء من الصحابة وكل من قام على الفاسق الحجاج إلى أن قال وهو الذي تدل عليه أقوال الفقهاء كأبي حنيفة والحسن بن حي وشريك ومالك والشافعي وداود وأصحابهم.

فإن كل من ذكرنا من قديم وحديث إما ناطق بذلك في فتواه وإما فاعل لذلك بسلّ سيفه في إنكار ما رأوه منكرا ..
واحتجوا بأحاديث منها: أنقاتلهم يا رسول الله؟ قال: "لا ما صلوا"، وفى بعضها: "إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم فيه من الله برهان" رواه البخاري ومسلم أ.هـ من الفصل 3/100, 101

قال الشيخ عبد المقصود: وهذا الذي نفعله من أول لحظة! من خرجوا على الرئيس مرسي هم الخوارج.

- قلت: ما ذكره ابن حزم عن الإمام العدل -بشروط الإمام العدل كما سنبين- فصحيح مع القدرة على ذلك، قال ابن قدامة -رحمه الله-:" وإن خاف الإمام على الفئة العادلة الضعف عنهم، أخّر قتالهم إلى أن تمكنه القوة عليهم; لأنه لا يؤمن الاصطلام والاستئصال، فيؤخرهم حتى تقوى شوكة أهل العدل، ثم يقاتلهم.

- وإن سألوه أن ينظرهم أبدا، ويدعهم وما هم عليه، ويكفوا عن المسلمين، نظرت، فإن لم يعلم قوته عليهم، وخاف قهرهم له إن قاتلهم، تركهم . وإن قوى عليهم، لم يجز إقرارهم على ذلك; لأنه لا يجوز أن يترك بعض المسلمين طاعة الإمام، ولا تؤمن قوة شوكتهم، بحيث يفضى إلى قهر الإمام العادل ومن معه.

- ثم إن أمكن دفعهم بدون القتل، لم يجز قتلهم; لأن المقصود دفعهم لا قتلهم; ولأن المقصود إذا حصل بدون القتل، لم يجز القتل من غير حاجة.."المغني 12/75

- وأما قوله:" وذهبت طوائف من أهل السنة وجميع المعتزلة وجميع الخوارج والزيدية إلى أن سلّ السيوف في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب إذا لم يكن دفع المنكر إلا بذلك.

قالوا: فإذا كان أهل الحق في عصابة يمكنهم الدفع ولم ييأسوا من الظفر, ففرض عليهم ذلك.

وإن كانوا في عدد لا يرجون - لقلتهم وضعفهم - بظفر كانوا في سعة من ترك التغيير باليد ".

قلت: قد أنكر عليه شيخ الإسلام ابن تيمية إدخاله الخوارج والمعتزلة في خلاف أهل الفقه فقال في نقد الإجماع125

"قلت: قد ذكر هو أنه لا يذكر إلا خلاف أهل الفقه والحديث دون المعتزلة والخوارج والرافضة ونحوهم، فلا معنى لإدخال الزيدية في الخلاف".

- وأما ما ذكر من تغيير المنكر باليد فضابطه ألا يترتب عليه منكر أكبر منه ولا يتعدى فيه الضرر إلى الآخرين، وإن كان لا يزول إلا بشهر سلاح فلابد من إذن السلطان. قال النووي-رحمه الله-:" قال القاضي عياض رحمه الله هذا الحديث أصل في صفة التغيير فحق المغير أن يغيره بكل وجه أمكنه زواله به قولا كان أو فعلا فيكسر آلات الباطل ويريق المسكر بنفسه أو يأمر من يفعله وينزع الغصوب ويردها إلى أصحابها بنفسه أو بأمره إذا أمكنه ويرفق في التغيير جهده بالجاهل وبذي العزة الظالم المخوف شره إذ ذلك أدعى إلى قبول قوله كما يستحب أن يكون متولي ذلك من أهل الصلاح والفضل لهذا المعنى ويغلظ على المتمادي في غيه والمسرف في بطالته إذا أمن أن يؤثر أغلاظه منكرا أشد مما غيره لكون جانبه محميا عن سطوة الظالم فإن غلب على ظنه أن تغييره بيده يسبب منكرا أشد منه من قتله أو قتل غيره بسبب كف يده واقتصر على القول باللسان والوعظ والتخويف فإن خاف أن يسبب قوله مثل ذلك غير بقلبه وكان في سعة وهذا هو المراد بالحديث إن شاء الله تعالى وإن وجد من يستعين به على ذلك استعان ما لم يؤد ذلك إلى إظهار سلاح وحرب وليرفع ذلك إلى من له الأمر إن كان المنكر من غيره أو يقتصر على تغييره بقلبه هذا هو فقه المسألة وصواب العمل فيها عند العلماء والمحققين خلافا لمن رأى الإنكار بالتصريح بكل حال وإن قتل ونيل منه كل أذى هذا آخر كلام القاضي رحمه الله، قال إمام الحرمين رحمه الله: ويسوغ لآحاد الرعية أن يصد مرتكب الكبيرة إن لم يندفع عنها بقوله ما لم ينته الأمر إلى نصب قتال وشهر سلاح فإن انتهى الأمر إلى ذلك ربط الأمر بالسلطان قال وإذا جار والى الوقت وظهر ظلمه وغشمه ولم ينزجر حين زجر عن سوء صنيعه بالقول فلأهل الحل والعقد التواطؤ على خلعه ولو بشهر الأسلحة ونصب الحروب، هذا كلام إمام الحرمين وهذا الذي ذكره من خلعه غريب ومع هذا فهو محمول على ما إذا لم يخف منه إثارة مفسدة أعظم منه"شرح مسلم2/26

قال الشيخ عبد المقصود: ففرض أننا قمنا وأنكرنا وستغرق السفينة، ففرق بين أن تغرق وقد أدينا ما علينا وبين أن تغرق وقد قصرنا!- ما دون السلاح فهو سلمية وأفتى بحرق سيارات الشرطة ومنازل الضباط وهذا من الردع!- وهذا من الجهاد ومن مات فهو شهيد!!

وكان المآل الهجوم على كمائن الجيش وقتل وحرق هنا وهناك! اتق الله يا شيخ عبد المقصود!!

والسؤال: هذا الحرق لمنازلهم -بناء علي قولك –هل هم بغاة يجب قتالهم مع الإمام العادل أم أنهم كفار فيكون قتالهم من جنس آخر؟

ثم بالله عليكم أين هو هذا الإمام العادل وأين من معه من جموع المسلمين الذين معهم الشوكة والسلاح، وأين الصفان المتصافان للقتال؟

حتى وإن قلت بكفر الجيش والشرطة لم يكن القتال الذي يؤدي لاستئصال المسلمين مشروعا كالمسلمين في القدس اليوم!

ثم أقول لتحالف دعم الشرعية: يجب استنكار هذا الكلام فإنه ورطة تضاف إلى ورطات كثيرة لن تأتي على البلاد والعباد وعليكم إلا بمزيد من المفاسد.

وأقول للإخوان: يجب استنكار هذا الكلام وإلا فهو تثبيت للتهمة عليكم هنا وهناك، ولما قرأناه من تاريخ التنظيم الخاص الذراع العسكرية لجماعة الإخوان!

وحتى لا أطيل أقول للشيخ ومن يقول بقوله: سل الجماعة الإسلامية عندما كانت تغير باليد في أوائل التسعينيات ماذا حدث؟

- ثم هذا الذي ذكره ابن حزم من القيام على الأئمة إذا فسقوا أو جاروا - إن كانت لديهم القدرة على ذلك وإلا فإنه قال: فهم في سعة من ترك التغيير باليد - فقد أنكره غيره من العلماء، وسبب إنكارهم ما يؤول به إنكارهم إلى سفك الدماء واضطراب الأمور.

قال ابن المنذر رحمه الله: « والذي عليه عوام أهل العلم أن للرجل أن يقاتل عن نفسه وماله وأهله إذا أريد ظلما، لقوله عليه السلام: « من قتل دون ماله فهو شهيد»، ولم يخص وقتا دون وقت، ولا حالا دون حال، إلا السلطان، فإن كل من نحفظ عنهم من علماء الحديث، كالمجمعين على أن من لم يمكنه أن يدفع عن نفسه وماله إلا بالخروج على السلطان ومحاربته، ألا يفعل، للآثار التي جاءت عن النبي –صلى الله عليه وسلم- بالأمر بالصبر على ما يكون منه من الجور والظلم، وترك القيام عليه» فتح الباري( 5/153)

قال ابن بطال: « وقد أجمع الفقهاء على وجوب طاعة السلطان المتغلب والجهاد معه، وأن طاعته خير من الخروج عليه؛ لما في ذلك من حقن الدماء وتسكين الدهماء .. ولم يستثنوا من ذلك إلا إذا وقع من السلطان الكفر الصريح فلا تجوز طاعته في ذلك بل تجب مجاهدته لمن قدر عليه"السابق 13/10

يقول ابن كثير رحمه الله معلقا على وقعة الحرة: " وقد أخطأ يزيد خطأً فاحشا فى قوله لمسلم بن عقبة أن يبيح المدينة ثلاثة أيام, وهذا خطأ كبير فاحش، مع ما انضم إلى ذلك من قتل خلق من الصحابة وأبنائهم، وقد تقدم أنه قتل الحسين وأصحابه على يدي عبيد الله بن زياد، وقد وقع في هذه الثلاثة أيام من المفاسد العظيمة في المدينة النبوية ما لا يُحد ولا يوصف مما لا يعلمه إلا الله عز وجل, وقد أراد بإرسال مسلم توطيد سلطانه وملكه ودوام أيامه من غير منازع، فعاقبه الله بنقيض قصده، وحال بينه وبين ما يشتهيه، فقصمه الله قاصم الجبابرة، وأخذه أخذ عزيز مقتدر " وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهى ظالمة إن أخذه شديد أليم "

وقد روى البخاري في صحيحه بسنده عن سعد بن أبى وقاص – رضي الله عنه – قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " لا يكيد أهل المدينة أحد إلا انماع – ذاب وجرى – كما ينماع الملح في الماء" وروى الإمام أحمد بسنده عن السائب بن خلاد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من أخاف أهل المدينة ظلما أخافه الله , وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا". 

وقد استدل بهذا الحديث وأمثاله من ذهب إلى الترخيص في لعنة يزيد بن معاوية وهو رواية عن الإمام أحمد اختارها الخلال وغيره وانتصر لها ابن الجوزي في مصنف مفرد وجوز لعنته.

ومنع من ذلك آخرون وصنفوا فيه أيضا لئلا يجعل لعنه وسيلة إلى أبيه أو أحد من الصحابة، وحملوا ما صدر عنه من سوء التصرفات على أنه تأول وأخطأ، وقالوا: إنه كان مع ذلك إماما فاسقا، والإمام إذا فسق لا يعزل بمجرد فسقه على أصح قولي العلماء، بل ولا يجوز الخروج عليه لما في ذلك من إثارة الفتنة، ووقوع الهرج وسفك الدماء الحرام ونهب الأموال، وفعل الفواحش مع النساء وغيرهن، وغير ذلك مما كلُّ واحدة فيها من الفساد أضعاف فسقه كما جرى مما تقدم إلى يومنا هذا .." ا.هـ البداية والنهاية 4/ 758.
 يتبع إن شاء الله..