ومضى الركب

  • 169

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده صلى الله عليه وسلم؛

مَن المقبول فنُهنيه ومن المحروم فنُعزيه

جملة سنسمعها بعد انتهاء الشهر الكريم؛ ولكن أقول إننا مازلنا في الفرصة، فكما قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "العبرة بكمال النهايات لا بنقص البدايات"، فمن كانت بدايته ناقصة فليكمل، فأنت لا تدري متى تدركك رحمة ربك، وإن لم تحسن الاستقبال لعلك تحسن الوداع، كما قال ابن القيم رحمه الله: "وأعلم أخي الحبيب، أن أيام الدنيا ملحُوقة" وأما رمضان فأياماً معدودة، وأحسن فيما بقي، يُغفر لك ما قد مضى، ولا تنشغل عن عبادة ربك، "ما شغلك عن عبادتي".

أخي الحبيب:

مستقبل الدنيا مظنون: {وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الزخرف: 35]، والدنيا ظلٌ زائل، ومستقبل الآخرة مضمون: {وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ} [الزخرف: 35].

أخي الحبيب:

كل مشاكل الدنيا لها حلول، فإذا عطشت شربت وارتويت، وإذا جُعت أكلت ما اشتهيت، ومشاكل الآخرة ليس لها حلول فإن العطش ليس منه ريِّ: {وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا} [الكهف: 29]، والجوع ليس منه شبع {إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ (43) طَعَامُ الْأَثِيمِ (44) كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ (45) كَغَلْيِ الْحَمِيمِ} [الدخان: 43 -46].

أخي الحبيب:
لا تنشغل عن ربك مهما كانت شواغلك؛ فيوسف لم ينشغل عن العبادة رغم السجن والعبودية، وأيوب لم ينشغل عن العبادة رغم المرض المزمن، وسليمان لم ينشغل بالملك عن العبادة، فاتعب في طاعة الله، فكما ذكرنا أيام رمضان معدودة، وكل ألمٍ يزول ويبقى الأجر _إن شاء الله_ وتزول مشقة الصيام والقيام، ويبقى الأجر: {وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا} [الكهف: 46]، وأجرك على قدر نصبك، واتعب ليوم الراحة عند أخر قدم تضعها في الجنة _إن شاء الله_.

أخي الحبيب:
لا تنفك عن صحبة أهل الاعتكاف؛ وخاصة إن كانت صالحة، فمن نعمة الله على عباده أن يرزقهم الصحبة الصالحة: {وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} [ص: 30]، وقال موسى: {هَارُونَ أَخِي (30) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (31) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي} [طه: 30 -32]، وقال تعالى لنبيه _ صلى الله عليه وسلم_: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} [الكهف: 28].

أخي الحبيب:
حافظ على جهدك وبَذّلك؛ فليس الشأن أن تزرع فحسب، ولكن الشأن أن تحافظ على الثمر، وليس الشأن أن تعمل فحسب، ولكن أن تحافظ على العمل: {وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا} [الكهف: 42].

أخي الحبيب:
تحمل أذى من حولك، واستمر في العبادة مهما كانت المضايقات: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ (97) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (98) وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر: 97 -99].

تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال، وصلِ اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.