النفير

  • 164

الحمد لله وحده،والصلاة والسلام على من لا نبي بعده _ صلى الله عليه وسلم_؛

منذ 1433 عام من الهجرة، رأت عاتكة بنت عبد المطلب أن رجلا استنفر قريشاً،وألقى بصخرة من رأس جبل بمكة؛ فتفتتت ودخلت سائر دور قريش.

منذ 1433 عام من الهجرة، و في 12 رمضان خرج النبي_ صلى الله عليه وسلم_ بأصحابه يريد عير قريش العائدة من الشام، و أراد أبو سفيان النجاة بالعير، ولكن أَبى الله إلا أن ينصر نبيه_ صلى الله عليه وسلم_، و يظهر دينه و يُخزى عدوه،{وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا} [الأنفال: 42]، فنجا أبو سفيان بالعير، و لكنَّ أبا جهلٍ أشعل الحرب وكان ما شاء الله أن يكون، واستعد الرسول _ صلى الله عليه وسلم_ للحرب، وخرجت قريش و هي مُرغمه فلقد أرسلت عمر بن وهب الجمحي فقالوا: أحرز لنا القوم من أصحاب محمَّد، فاستجال حول العسكر ثم رجع إليهم فقال: ثلاثمائة رجل يزيدون قليلًا أو ينقصون، ولكن أمهلوني حتى أنظر أللقومِ كمين أو مدد، فضرب في الوادي حتى أبعد فلم يرَ شيئًا، فرجع إليهم فقال: ما رأيت شيئًا، ولكن قد رأيت يا معشر قريش البلايا تحمل المنايا، نواضح يثرب تحمل الموت الناقع، قوم ليس لهم منعة إلا سيوفهم، والله ما أرى أن يقتل رجل منهم حتى يقتل رجل منكم، فإذا أصابوا منكم أعدادهم فما خير العيش بعد ذلك فَرَوا رأيكم. [السيرة النبوية كما جاءت في الأحاديث الصحيحة:2/ 78، وقال صاحب الكتاب: أثرٌ رواه ابن إسحاق ومن طريقه الطبري (2/ 42): حديث إسحاق بن يسار وغيره من أهل العلم عن أشياخ من الأنصار قالوا: لما اطمأن ... وهذا السند صحيح إلى هؤلاء الأشياخ فابن إسحاق سمع من والده ... ووالده ثقة وقد سمع من بعض الصحابة (التقريب 1/ 62) وهؤلاء الأشياخ ربما كانوا من الصحابة]
 
وفي مثل هذا اليوم 17 رمضان من 1433 عام من الهجرة، كانت غزوة بدر وصيحات الرسول_ صلى الله عليه وسلم_في صحبه أن "قُومُوا إِلَى جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ" [أخرجه مسلم: 1901]،{سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} [القمر: 45]، وبشريات "أَبْشِرْ يَا أَبَا بَكْرٍ "، وابتهالات ودعوات:"اللهُمّ، هَذِهِ قُرَيْشٌ قَدْ أَقْبَلَتْ بِخُيَلَائِهَا وَفَخْرِهَا، تُحَادّك وَتُكَذّبُ رَسُولَك! اللهُمّ، نَصْرُك الّذِي وَعَدْتنِي"[أخرجه الواقدي في المغازي: 1/59].

ما أعظمَ تجرد الحبيب _ صلى الله عليه وسلم_ من حظوظ النفس، وانكساره لربه،  وما أعظمَ صدق اللجوء إلى الله، والتضرع حتى يسقط رداؤه عن كتفه من شدة مناشدته ربه،وقبل بدأ المعركة يخرج من عريشه، و يقبض من التراب قبضة؛ ثم ينثرها في اتجاه وجوه العدو و يقول : "شَاهَتِ الْوُجُوهُ"، فَمَا خَلَقَ اللهُ مِنْهُمْ إِنْسَانًا إِلَّا مَلَأَ عَيْنَيْهِ تُرَابًا بِتِلْكَ الْقَبْضَةِ، فَوَلَّوْا مُدْبِرِينَ، فَهَزَمَهُمُ اللهُ _عَزَّ وَجَلَّ_" [أخرجه مسلم: 1777]، و صدق الله:{ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [الأنفال: 17]،حقاً فقد رمى النبي_ صلى الله عليه وسلم_ و لكن بلوغ الرمي إلى عيون القوم ذاك أمر الله، و كأني بإبراهيم _عليه السلام_ و قد أمره الله:{وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ ........} [الحج: 27]؛فيرفع صوته بالنداء في صحراء جرداء،وجبالٍ شاهقات لا يراه أحد،ولا يسمعه أحد،ولكن صوته يبلغ كل أحدٍ، {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [الأنفال: 17].

أخي الحبيب: لا تعتمد على حولك وقوتك فقط، خذ بالأسباب،وتوكل على رب الأسباب.

أخي الحبيب: إذا صلحت النيات من القادة والجنود، وكانت الاستقامة على أمر الله وشرعه وتمسك المسلمون بدينهم،وأعلوا شأن الأخلاق كما أمر ربهم،وأخذوا بالأسباب نصرهم الله على عدوهم،وكأني بك تنظر إلى القائد الرباني،والرسول المربي الحاني على أمته؛ إذ ينزل النُعاس على الجنود يوم بدرٍ،ويقول عليٌّ:" وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا فِينَا إِلا نَائِمٌ، إِلَّا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحْتَ شَجَرَةٍ يُصَلِّي، وَيَبْكِي، حَتَّى أَصْبَحَ"[أخرجه أحمد في مسنده: 1023، وقال شعيب الأرناؤوط: إسناده صحيح].

أخي الحبيب: لقد باشر النبي_ صلى الله عليه وسلم_ المعركة وقادها قيادةً ميدانية،وقيادةً توجيهية؛ فكان يقول للمسلمين:"إذا دنا القوم منكم فانضحوهم بالنبل"،وكأنه يرشدهم ألا يرموا بالنبل إلا إذا كان العدو في المرمى المؤثر لسلاحهم، وكان يأمرهم بالاقتصاد في العتادِ وعدم إهداره"واستبقوا نبلكم"وكان _ صلى الله عليه وسلم_ ينهى عن سل السيوف حتى تتداخل الصفوف فيقول "ولا تسلوا السيوف حتى يغشوكم".

أخي الحبيب: لقد ضرب الصحابة في معركة بدرٍ مثالاً رائعاً للتكريم والوفاء، وإنزال الناس منازلهم فلقد كان شعار المعركة (أحدٌ، أحد) لعلك سمعت هذه الصيحة قبل ذلك.

أخي الحبيب:إن النصر ثمرة البذل والتضحية والفداء، وفي المعركة لا يتوقف الرسول _ صلى الله عليه وسلم_ عن تحفيز أصحابه للحرب فيقول لهم (والذي نفس بمحمدٍ بيده لا يقاتلهم اليوم رجلٌ فيُقتل صابراً محتسباً مقبلاً غير مدبر إلا أدخله الله الجنة) وكان يقول لهم (شُدوا)،ويقول لهم(قُومُوا إِلَى جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ)، قَالَ: -عُمَيْرُ بْنُ الْحُمَامِ الْأَنْصَارِيُّ: -يَا رَسُولَ اللهِ، جَنَّةٌ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ؟ قَالَ: "نَعَمْ"، قَالَ: بَخٍ بَخٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا يَحْمِلُكَ عَلَى قَوْلِكَ بَخٍ بَخٍ؟" قَالَ: لَا وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ، إِلَّا رَجَاءَ أَنْ أَكُونَ مِنْ أَهْلِهَا، قَالَ: "فَإِنَّكَ مِنْ أَهْلِهَا "[أخرجه مسلم: 1901].

اللهم اجعلنا من أهلها،وانصر دينك،وكتابك وعبادك الصالحين،ووفق أهل السنة المجاهدين في سوريا،والعراق، وفلسطين، وسدد رميهم،ووحد صفهم،واجمع كلمتهم،واهدهم للتمسك بالحقِ،والقيام به وانصرهم على الصهاينة المجرمين،وحرر الأقصى من دنس اليهود المحتلين، وسلامٌ على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.