عاجل

وسقطت الصخرة

  • 169

انهم ثلاثة كأى ثلاثة مثلنا خرجوا لحاجتهم وحياتهم بها ما بها من الأعمال والأوزار ،وعلى غير ترتيب ولا إعداد ولا تنسيق أصابتهم السماء فدخلوا الغار ليحموا أنفسهم من المطر؛ فكانت المفاجأة وسقطت الصخرة على فوهة الغار وأصبح الثلاثة فى مقبرة جماعية وهم أحياء ينتظرون الموت، فلا وسيلة اتصال بالعالم الخارجى، ولا موبيلات، ولا فيس، ولا تويتر، ولا سكاي، ولا واتس، ولا قوة لتحريك الصخرة، ولا صوت يرتفع بالاستغاثات؛ فكل وسائل التواصل أو الاتصال منعدمة تماما، لكن للتربية آثارها فمن تربى على اللجوء إلى الله عز وجل، وعرف الله فى الرخاء، وعاش حياته لله تبارك وتعالى-  فهو ذلك الرجل الذى يدرك أن بابًا واحدًا ما زال مفتوحًا، وأن صوتًا قد يصعد إلى هذا الباب ولكن ليس أى صوت "إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه"،إن هذا الباب لا يدخل منه إلا العمل الصالح الموافق للشرع الخالص لله عزوجل، فهل سيجد هؤلاء الشباب فى أعمالهم السابقة – وهم شباب – أعمالًا يتقربون بها إلى الله ويدخلون بها من هذا الباب ليخرجوا من حبس الغاروظلمة القبر؟!

 لقد وجد هؤلاء الشباب أعمالًا تنطبق عليها المواصفات، فهى موافقة للشرع وخالصة للرب لكنها أعمال لا يعلمها أحد .. لقد كانت طاعات السر التى نفعت فى وقت الحبس والأسر وللخروج من القبر .. أما أحدهم فكان بارًا بوالديه، ولكن بطريقة غير مألوفة، والثانى ترك الشهوة وهو يحبها لكنه تركها لله، وأما الثالث فكان أمينًا لدرجة لا يتخيلها أحد .. وكلهم كانت أعمالهم فى السر .. وكلهم كان يقصد بفعله مرضاة الله ووجه الله تبارك وتعالى .. و شباب الصحوة اليوم يجب أن يتربى على طاعات السر، وكيف لا وقد قال ?: " من استطاع منكم أن يكون له خبءٌ من عمل صالح فليفعل "؟! و قال أبو عثمان الزاهد: "سرائركم سرائركم؛ فإن المطلع على السرائر يراقبكم "، و قال الربيع بن خُثيم: " إذا تكلمت فاذكر سمع الله إليك، وإذا هممت فاذكر علم الله بك، وإذا نظرت فاذكر نظره إليك، وإذا تفكرت فاذكر اطلاعه عليك فإنه يقول: ( إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا)؛ فإن أفضل الأعمال ترك المعاصى الباطنة؛ فإن الباطنة إذا تُركت كان صاحبها للمعاصى الظاهرة أترك .. وقال بعض أهل العلم: ( من كانت سريرته أفضل من علانتيهفذلك الفضل، ومن تساوت سريرته وعلانيته فذلك العدل، ومن كانت علانيته أفضل من سريرته فذلك الجور)، وما أعظم أن ننبه الغافلين أمثالنا بقوله تعالى: " ألم يعلم بأن الله يرى"، فمن علم أن ربه يراه استحي من ارتكاب الذنب ،و كان من هديه ? أن يقول: ( اللهم أقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معاصيك )، وكان يقول: ( واسألك خشيتك من الغيب والشهادة)، وما أجمل هذا الشاب صاحب الحظ الموفور الذى نشأ فى عبادة الله وقد صدق بشر الحافي حين قال: ( لا تجد حلاوة العبادة حتى تجعل بينك وبين الشهوات حائطًا من حديد) .

أخى الحبيب،

لا تعامل الناس بالأمانة وتعامل الله بالخيانة (ولمن خاف مقام ربه جنتان).

أخى الحبيب ،
السرائر السرائر؛ فإنه لا يصلح مع فسادها صلاح ظاهر.

وكان الزبير بن العوام يقول: ( اجعلوا لكم خبيئة من العمل الصالح كما أن لكم خبيئة من العمل السيئ).

وعن سمرة بن جندب قال: ( من سَرَّه أن يعلم ماله عند الله فلينظر ما لله عنده، ومن سَرَّه أن يعلم مكان الشيطان منه فلينظره عند عمل السر).

وقال الشافعى: ( من أحب أن يفتح الله قلبه أو ينوره فعليه بترك الكلام فيما لا يعنيه، واجتناب المعاصى، ويكون له خبيئة فيما بينه وبين الله تعالى من عمل).

أخى الحبيب،

هل أتاك نبأ علىّ بن الحسين الذى كان يحمل جراب الخبز على ظهره بالليل فيتصدق به ويقول:"إن صدقة السر تطفئ غضب الرب"؟!

ولما مات وجدوه يُقَوَّت مائة أهل بيت بالمدينة .

وهل أتاك نبأ أيوب السختيانى الذى كان يقوم الليل كله ويخفى ذلك، فإذا كان عند الصبح رفع صوته كأنه قام تلك الساعة؟!

وقال محمد بن واسع: (إنه كان الرجل ليبكى عشرين سنة وامرأته معه لا تعلم به).

وهل أتاك نبأ داود بن أبى هند الذى صام أربعين سنة لا يعلم به أهله، وكان خرازًا يحمل معه غذاءه من عندهم فيتصدق به فى الطريق ويرجع عشيًا فيفطر معهم؟!

أخى الحبيب،

هل لك طاعة سر؟

هل لك خبيئة من عملٍ صالح؟

إذا لم يكن فأشرع فى ذلك (ولا تخزني يوم يُبعثون * يوم لا ينفعُ مالٌ و لا بنون* إلا من أتى الله بقلبٍ سليم)

وصلِ اللهم على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين!