عاجل

ثقافة الاعتراف بالخطأ

  • 201

نحن فى أشد الحاجة فى مجتمعاتنا الإسلامية وبين أبناء الصحوة خصوصا إلى أن نعمق مفاهيم تساعدنا على مواجهة الواقع، وتغرس الشجاعة فى نفوس الإخوة؛ ومن أهم هذه المفاهيم "ثقافة الاعتراف بالخطأ والاعتذار عنه" على كل المستويات وفى كل الطبقات, هذا الخلق عنى به الإسلام وأرشدنا إليه؛ فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( كل ابن آدم خطأ وخير الخطائين التوابون)، فلا أحد يدعى العصمة مهما علت مرتبته غير الأنبياء والمرسلين، وبرغم العصمة من الذنوب (يعنى: تعمد مخالفة المولى جل وعلا) وهذا يشمل الكبائر والصغائر المزرية إلا أنهم غير معصومين من الخطأ والنسيان كعوارض بشرية إلا بشأن البلاغ؛ فقد سجل القرآن لنا اعترافهم بالخطأ واعتذارهم عنه.
 
لقد كان لنا فى رسول الله أسوة حسنة؛ فقد قص علينا القرآن اعتذار النبى صلى الله عليه وسلم فى واقعة الرجل الضرير عبدالله ابن أم مكتوم عندما عبس النبى فى وجهه (يعنى: كلح) كما يقول المفسرون اجتهادا منه ورغبة من رسولنا الكريم فى هداية زعماء قريش؛ فنزل الوحى لا يقره على هذا الاجتهاد ويعاتبه فى قرآن يتلى إلى يوم القيامة, وكان من الممكن أن ينزل الوحى باسترضاء ابن أم مكتوم بكلمة تطيب خاطره،ولكن الله أرد أن يعلم الناس أن الاعتراف بالخطأ لا ينقص من مرتبة المخطأ بل يزيده رفعة؛ فلا أحد أرفع منزلة من سيد الأولين والآخرين حتى يتعلل بعلو منزلته أو بكبر مقامه ومكانته، ولا برفيع منصبه؛ ليعتذر عندما يصدر منه الخطأ، فقد اعتذر خير خلق الله جميعا "رسل الله وأنبياؤه". 
 
فالتوبة هي التعريف الشرعى للاعتراف بالخطأ مرتبطة بالمعاصي أو التقصير في حق المولى عز وجل، وتشمل مصطلحات الاعتذار المتعلقة بحق الناس والمجتمع، وتشمل شرط الندم على المعصية والمراجعة الذاتية والاعتراف بالخطأ والإقرار به، والرجوع عنه.
 
 
 
كلنا ذوو خطأ ويجب علينا أن نواجه أخطاءنا بشجاعة؛ فالخطأ الحقيقى هو عدم الاعتراف بالخطأ والتمادى فيه والإصرار عليه والجدال بالباطل عنه, فالاعتراف بالخطأ صعب على النفس الإنسانية وتزداد الصعوبة كلما ارتفعت المنزلة العلمية أو الإدارية لمرتكب الخطأ، ولكن يذلل هذه الصعوبة أن تكون النفس مؤمنة تحصنت بقوة إيمانها ومراقبتها لربها، ومما يعين أيضا فى هذا الصدد معرفة أجر الاعتذار، فربما منع البعض عن الاعتذار عن الخطأ، عدم معرفته أجر المعتذر، وأن الله يمحوعن المعتذر الذي أخطأ في حق الله ما كان من ذنب، يقول تعالى: {إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما}.
 

ومما يعين المسلم على الاعتذار: مراقبة الله سبحانه وتعالى، فلو استشعر أن الله مطلع عليه، وعارف ببواطن أموره وظواهرها؛ لخاف الله واستحضر عظمته في قلبه، وعلم أن الله المطلع عليه لا يقبل بأن يتمادى في الخطأ سواء في حق ربه الذي خلقه فسواه، وأسبغ عليه نعمه ظاهرة وباطنة،أو فى حق الخلق.
 
نحن نحتاج إلى هذه الثقافة أو قل هذا الخلق فى الساحة الإسلامية الآن أيما حاجة, سواء على مستوى الجماعات أو الأحزاب؛ فكل ما يحدث فى المنطقة الآن من أحداث جسام نتيجة لعدم الاعتراف بالأخطاء والتمادى فيها خوفا من المواجهة والمساءلة؛ فأقصر طريق لإنهاء المشاكل هو الاعتراف والاعتذار, ومن سمات القيادة الجيدة أنها تعترف بأخطائها ولا تخاف و لاتتردد فى مواجهة أتباعها بأخطائها.
 
إن الاعتذار كلمة، لكن لها مفعول السحر على النفوس، تلين بها القلوب الغليظة، وتمحو خطأك نحو الناس مهما كان، فكم من كلمة أوقدت حربا ونارا، وكم من كلمة اعتذار قصيرة أطفأت نار حقد وخصام يأكل الأخضر واليابس!