طفوح الفكر القطبي..فكر قبل أن تنزل

  • 179

إنا لله وإنا إليه راجعون! لقد طفح الفكر القطبي الذي يحكم علي المجتمع بالجاهلية! كلمة أخذها تلاميذ سيد قطب واختلفوا في تفسيرها كلٌ علي  هواه؛ فمنهم من فسرها بالجاهلية المخرجة من الملة، ومنهم من فسرها بدار الكفر دون لزوم تكفير كل أفراد المجتمع؛ لذلك قالوا: "أفراد المجتمع ثلاثة أقسام: مسلمون بلا شبهة، وكفار بلا شبهة، وطبقة متميعة لا نشغل بالنا بالحكم عليها".. هذه الطبقة المتميعة هم غالبية المجتمع، وهؤلاء يعاملونهم معاملة المسلمين عندما يوافقونهم، وأما عند المخالفة يكفرونهم!!وهذه بدعة عبد المجيد الشاذلي مؤسس جماعة "التوقف والتبين" التي ذكرها في كتابه حد الإسلام.
 
وهذه بدعة وضلالة من وجهين:
الوجه الأول: الحكم بالعموم، كما فعل الخوارج الذين ابتدعوا هذه البدعة، ومعلوم أن كل إنسان يؤاخذ بعمله ولا يؤاخذ بعمل غيره إلا إذا أقر ورضي؛ وهذا لا يعرف إلا بعد إقامة الحجة! كما أن المسلم قد تجتمع فيه جاهلية وطاعة وعمل بالإسلام كما قال صلى الله عليه وسلم لأبي ذر رضي الله عنه:"إنك امرؤ فيك جاهلية"، لما قال لبلال رضي الله عنه:يا ابن السوداء!
 
وقد يكون في الشخص عمل كفري من أعمال الجاهلية لكنه لا يكفر إلا بعد استيفاء الشروط وانتفاء الموانع!
 
الوجه الثاني: لا يجوز لأحد أن ينصب شخصا غير الرسول صلى الله عليه وسلم يجعل قوله دينا يوالي ويعادي عليه! قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "فدين المسلمين مبني علي اتباع كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وما اتفقت عليه الأمة؛ فهذه الثلاثة أصول معصومة، وما تنازعت فيه الأمة ردوه إلي الله والرسول، وليس لأحد أن ينصب للأمة شخصا يدعو إلي طريقته ويوالي عليها ويعادي غير النبي صلى الله عليه وسلم وما اجتمعت عليه الأمة؛ بل هذا من فعل أهل البدع الذين ينصبون لهم شخصا أو كلاما يفرقون به بين الأمة، يوالون علي ذلك الكلام أو تلك النسبة ويعادون". "درء تعارض العقل والنقل"1/149.
 
- وإن كان ما وقع من الفتن التي مرت بنا ألما كثيرا، لكن فيه خير عظيم؛ إذ كشفت لنا ولكثير من المتعاطفين وجوها كانت تظهر بمظهر السلفية بينما هي تستبطن الفكر القطبي!!كل من يدعو إلي العنف وهدم الدولة التي في هدمها تضييع لمصالح العباد وتسليط للأعداء عليها!
 
ومن هؤلاء: الأفراد الذين أطلقوا علي أنفسهم اسم "الجبهة السلفية"!!والسلفية الحقة بريئة منهم؛ فهم قطبيون كما صرحوا عن أنفسهم بذلك علي صفحتهم الرسمية!! مجموعة من الشباب المتحمس الذي انحرف فكريا ليس معهم أحد من علماء أهل السنة كما قال ابن عباس رضي الله عنه للخوارج لما ذهب لمناظرتهم:"ولا أري معكم أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم!!".
 
بل العلماء ينكرون عليهم ويحذرون من النزول كـ"مجلس شوري علماء أنصار السنة والدعوة السلفية" وغيرهما.
 - ويدعون إلي ثورة (إسلامية)!!هكذا استخدام للاسم الشريف في غير موطنه؛ لجر المتحمسين من الشباب السلفي بعد فشل دعوات الشرعية طيلة المدة السابقة في تظاهراتها بالإخوان ومن تعاطف معهم!
 
ومن عباراتهم التي تدل علي جهلهم واستخدام الأسماء الشريفة في غير موطنها، وفيها رائحة الخوارج المولعين دائما بقيام خلافة حتى ولو علي كيلو متر من الأرض:"يوم 28 ثورة إسلامية تعقبها خلافة علي منهاج النبوة"!
 
ومن دعوتهم التي فيها تصريح بسفك الدم: إيد فيها مصحف والأخرى فيها ما تدافع به عن نفسك!
 
- ثم يظهر الإخوان في المشهد ببيان يقولون فيه إنهم يثمنون هذه الدعوة للحفاظ علي هوية الشعب المصري!!! هكذا...
 
ففريق (الجبهة السلفية) يدعون إلى رفع المصحف كدليل علي استرجاع الهوية الإسلامية لمصر، وتصدير السلفية لإنزال الشباب السلفي المتعاطف!!
 
وفريق الإخوان يثمنون النزول للحفاظ علي الهوية المصرية لإنزال الباقي من المصريين علي اختلاف طوائفهم!!
 
نرجو من "الجهة القطبية" أن ترد علي الإخوان، وتجيبوا لنا عن السؤال: نزولكم للحفاظ علي الهوية الإسلامية أم المصرية؟!
 
إذن الأمر واضح وضوح الشمس! التدبير تدبير الإخوان والغرض الزج بالسلفيين! لكن ببصيرة مشايخ الدعوة –جزاهم الله خيرا-التي دائما تري الحدث وما يترتب عليه من بعيد، حذرت من هذه الدعوة الهدامة، وحذرت أبناءها وعقدت مؤتمرات للتوضيح والكشف.. فسلم الله منها والحمد لله.
 
عود على بدء
وسؤالنا لهم:هل الحكم بالعموم علي المجتمع بالجاهلية من الإسلام؟!
وهل الحكم بالعموم علي المجتمع أو علي طائفة منه بالكفر من الإسلام؟! ألم يقل الله تعالي:"ألا تزر وازرة وزر أخري"؟!
 
وإذا أتي الشخص كفرا أليس هناك شروط يجب توافرها وموانع يجب أن تنفي عنه حتى يحكم عليه بالكفر؟!
 
- ثم يقولون لك:أين الشريعة المطبقة؟! إنها طائفة ممتنعة عن واجب يجب قتالها!!
 
وسؤالنا لـ"تحالف دعم الشرعية" ومنهم هذه "الجبهة":وهل طبق الدكتور مرسي والإخوان الشريعة لما كانوا في الحكم؟!
 
الكيل ينبغي أن يكون بمكيال واحد!!ومع ذلك فهو كيل جاهل؛ لأنه فرق بين من يقر بالشريعة وسيعمل علي تطبيقها بالتدريج، وبين من يرفضها ويبدلها!!
 
وللعلم جميع الفصائل حتى القطبية كانت متفقة علي ذلك وقت حكم الدكتور مرسي- كذلك الأمر الآن؛ فالرئيس السيسي يقر بها وتطبيقها علي التدريج- كما أن الدستور تحكمه أحكام الشريعة كما في ديباجة الدستور "أن مبادئ الشريعة هي مجموع ما تضمنه مجموع أحكام المحكمة الدستورية ومنه حكم 85 الذي يفسر المبادئ بالأحكام"!!
فلمَ الكيل بمكيالين؟
والمطلوب الحث علي العمل بأحكام الدستور.
 
-         ثم...
لكي تكمُل حكاية "إسلامية" والاستمرار في مسلسل الخداع والتدليس يدعون إلي حمل المصحف ..وسؤالنا:هل المقصود برفع المصحف دعوة الحكومة إلي التحاكم إليه في الدماء كما رفعها أهل الشام يوم صفين أم ماذا؟! فإن كانت الأولي فنحن ندعو إلي ذلك وندعو إلي استيعاب ومصالحات ولكنكم ترفضون! وسل مبادرة "العمدة" و"فتح الباب" و"سلطان" وغيرها كثير تنبئك!!
 
إذن فهي الأخرى كما جاءت التصريحات علي الجزيرة وغيرها: مزيد من الإنهاك للدولة!! وهذا لن يحدث!! إنما هو مزيد من سفك الدماء ومزيد من المعتقلات من أجل كرسي! وكل ذلك نهى عنه الشرع.
 
قال صلى الله عليه وسلم:"إذا اقتتلتم علي الدنيا فالقاتل والمقتول في النار".رواه البزار.
قال القرطبي في "تفسيره"(فبين هذا الحديث أن القتال إذا كان علي جهل من طلب الدنيا أو اتباع هوي فهو الذي أريد بقوله:"فالقاتل والمقتول في النار). اهـ.
 
- وسيتم استفزاز للشرطة كما يفعلون في كل مرة، كما حدث في "رابعة" وغيرها ليقال بعد ذلك:الجيش والشرطة ينتهكان حرمة المصحف!والحكم بالتكفير سابق وجاهز!فسبحان الله من هؤلاء.قالوا للشباب:استقبلوا الرصاص بصدور عارية فقُتل المئات!تاريخنا مليء بالتضحيات فملئت السجون بالشباب!!
 
يخرجون النساء استكمالا للمظلومية ثم يكذبون: اغتصاب النساء!
 ثم يصرخون بعد ذلك في وجه الناصحين: أين أنتم من القتل والاعتقالات واغتصاب الحرائر؟!
وسيخرجون بالمصحف وسيعملون علي استفزاز الجنود ليقال: انتهك المصحف!!
    ما هذا التغرير باسم الدين؟!
 
- إن أخطر ما يكون في الفتن استخدام التدليس والخداع والتغرير للإيقاع بالشباب المتحمس وغيرهم في الفتنة، وتعريضهم لما لا يطيقون من البلاء!تجدهم يستخدمون الوسائل المشروعة وغير المشروعة وكلٌ بلغته، فالشباب المتدين يستخدم الأدلة دون رجوع لأهل العلم في تفسيرها،وإن رجعوا فلمن يوافقونهم! وإن كانوا من غيرهم تكلموا عن الحريات والغلاء والعمالة لليهود ونحو ذلك.إضافة إلي اختلاق الكذب وقلب الأخبار والحقائق!
 
لما وُجد أمثال هؤلاء في عهد السلف رأينا من بعض العلماء المتثبتين أقوالا حكيمة نذكر بها لنكون علي بصيرة من أمرنا في هذه الفتن التي تعصف بالأمة: عن حفص بن غياث قال:قلت لسفيان الثوري:"يا أبا عبد الله، إن الناس قد أكثروا في المهدي؛ فما تقول فيه؟ قال:"إن مر علي بابك فلا تكن منه في شيء حتى يجتمع عليه الناس". أي:العلماء.
 
وعن عقبة بن إسحاق قال:"كان منصور بن المعتمر يأتي زبيد بن الحارث، فكان يذكر له أهل البيت، ويعصر عينيه، يريده علي الخروج أيام زيد بن علي. فقال زبيد:"ما أنا بخارج إلا مع نبي، وما أنا بواجده".
 
وقال حماد بن زيد:"ذكر أيوب السختياني القراء - حفاظ القرآن وعلماؤه- الذين خرجوا مع ابن الأشعث فقال:"لا أعلم أحدا منهم قُتل إلا رغب عن مصرعه، ولا نجا أحد منهم إلا حمد الله الذي سلمه، وندم علي ما كان منه".
 
وقال مطرف بن عبد الله:"لأن آخذ بالثقة في القعود أحب إلي من أن ألتمس فضل الجهاد بالتغرير".
وقال أيضا: "إن الفتنة ليست تأتي تهدي الناس،وإنما تأتي تقارع المؤمن عن دينه،ولأن يقول الله:"لم لا قتلت فلانا؟".أحب إلي من أن يقول:"لم قتلت فلانا".
  راجع"بصائر في الفتن".
 
 أرجو من الجميع أن ينتبه وأن يعمل ليوم سيقف فيه بين يدي رب العالمين!!
- وأذكر الجميع بما كتبته من قبل في معرض ردي علي د.عبد المقصود..
 
(فتبين بذلك أن الشروط التي ذكرها ابن حزم في الإمام العدل الواجب الطاعة لا تتوفر في الدكتور محمد مرسى ولا غيره ..
وإنما هو كان رئيس جمهورية مصر العربية الدستورية الحديثة, قد قام عقد بينه وبين الشعب على احترام الدستور والقانون، وأن يراعى مصالح الشعب والوطن؛ فيطاع ويعان في المعروف, ويعصى ولا يعان في معصية الله تعالى.
كما أنه يلتزم بصلاحيات الرئيس في الدستور والقانون، ونلتزم معه- كشعب –بذلك، فإن عجز أو قصر في مصالح البلاد والحفاظ علي وحدتها لم يلزم تركه لنهاية المدة بمقتضي العقد.
 
- وبسبب هذا التوصيف الباطل وقع ما وقع من إراقة هذه الدماء، وما زالت تسال إلى اليوم.ثم لما بعُد وهْم عودة الدكتور محمد مرسي تركوه وقالوا: القضية الآن ليست محمد مرسى وإنما قضية حقوق اكتسبها الشعب عن طريق الانتخابات نسعى لإعادتها!
قلنا: إذن القضية ليست قضية إقامة الدين, ولا استعادة حاكم أو خليفة شرعي, وإنما صارت مكتسبات ديمقراطية.
 
وهب أنها كذلك وليس للمسلمين طاقة على ذلك، وإنما مزيد من الدماء والاعتقالات والمفاسد الكثيرة، بل والسعي لهدم كيان البلد وغيره، وتجرؤ البعض على التكفير والتفجير والمواجهة بغية إضعاف الجيش، وغير ذلك... إذا كنت أنت ومن معك ممن فروا إلى تركيا وقطر تقولون: فررنا بدمائنا!!
هل دماؤكم أغلى من دماء من دعوتموه للثبات في اعتصام رابعة، وأن من قتل فهو شهيد؟! فلِمَ لم تقولوا: فلنمت على ما ماتوا عليه؟!
ولِمَ عندما قلت: إن الاعتصام في رابعة فتوى خمس هيئات ومن علماء السعودية د. العمر، ود. عبد العزيز الطريفي، ثم قلت: بلاش أسماء بدلا من أن يضروا الآن.
فقال سلامه عبد القوى : بلاش أسماء .لماذا ؟ أليس هذا ميزان للمصالح والمفاسد وعدم إلحاق الضرر بالآخرين. فلماذا تريدون الضرر بشباب وفتيات المسلمين في مصر؟! ولم الكيل بمكيالين؟! وإنا لله وإنا إليه راجعون، وحسبنا الله ونعم الوكيل).
 
- يا شباب، إن المخرج مما نحن فيه إنما يكون بالدخول في مصالحة ولم الشمل، والعمل للمصلحة العامة وتقديمها علي المصالح الخاصة، والجلوس للحوار لمناقشة الأفكار والتناصف فيما بيننا.
- يا شباب، نحن جزء من مجتمعنا الإسلامي الكبير، بيننا التراحم والتواد والتحاب والنصيحة، فما كان من منكر ومعاصٍ وظلم وغيره ننصح فيه ونسعى لتغييره بمعروف لا بمنكر أكبر منه!!وننظر إلي "الجيش والشرطة" علي أنهم مسلمون، وإن صدر تجاوز فلا نعمم ولا نؤاخذ أحدا بجريرة أحد، بل ننصح لمنعه أو تقليله.
- وإن صدر كفر من أحد فلا نكفره إلا بعد إقامة الحجة باستيفاء الشروط  وانتفاء الموانع فضلا عن تكفير طائفته!
- يا شباب، الزموا غرز العلماء الذين يعملون علي مصلحتكم، الذين يريدون أن يحافظوا علي بلدهم، ويعملون علي عدم سفك دمائكم أو تشريدكم ومَن وراءكم في السجون.
 
- إلي العلماء والدعاة: تذكير الناس بما هم عنه غافلون من الواجبات،وقد نزلت نازلة طفحت آثارها وهي "الفكر التكفيري" الذي يتسمي بمسميات عدة،تحتاج منكم أن تقوموا بما عليكم من البيان والتعليم.
وفق الله الجميع لما فيه خير البلاد والعباد،ونسأله تعالي أن يحفظ علينا ديننا وأمننا ووطننا. آمين!!