عاجل

تطرف.. وتطرف مضاد!

  • 142

رغم تأكيدنا مرارا على رفض الدعوة إلى تظاهرات اليوم الثامن والعشرين من نوفمبر لما شابها من تحريض على تعمد الصدام والاشتباك ولما نعرفه عن أصحابها من توجه فكرى «قطبى» متطرف صدامى.. ورغم عشرات المؤتمرات التى عقدناها بطول البلاد وعرضها خلال فترة زمنية وجيزة لدحض وتفنيد أى شبهة فكرية يستند إليها «التكفيريون» بصفة عامة ومنظمو فاعلية 28 بصفة خاصة...لكن ثمة عاملا مهما لا يمكننا إغفاله ونحن نواجه هؤلاء مواجهة فكرية.. ما الذى يدفع إنسانا إلى تبنى وجهات نظر بهذا التطرف؟

هناك تطرف فكرى مضاد لا يحتاج إلى التنقيب عنه أو التفتيش وراء أصحابه، تطرف يستعلن به مروجوه بفجاجة تثير مشاعر وحفيظة أى مسلم غيور أو حتى أى عاقل يدرك عاقبة العبث بالثوابت والمقدسات.. كتاب، أشباه مثقفين، فنانون وعشرات سواهم لا يتركون مناسبة إلا وتهجموا على ثوابت الإسلام حقيقة لا مجازا وتصريحا لا تلميحا، وتراهم يستعيضون عن بضاعتهم العلمية المزجاة الضعيفة ببضاعة من سوء الأدب وتدنى الأخلاق لا يباريهم فيها أحد!

والعنوان الجاهز للاستدعاء دائما هو (حرية الفكر)، كل فاشل مغمور بالكاد قرأ كتابين أو ثلاثة يحسن أن يجعل من نفسه مفكرا ويصنع منه الآخرون بطلا إذا ما طنطن بكلمتين على غرار التنوير والحداثة ومحاربة خفافيش الظلام وإذا ما تحدثنا عن تطرفه الفكرى زعقوا بأعلى الأصوات: (حرية الفكر ).. تماما كما سيعلق البعض على مقال كهذا!

ومثلما أنكم تسمون الطعن فى الثوابت والاستخفاف بالحرمات والتلاعب بالتراث (حرية فكر) فكذلك المتطرفون المتنطعون دينيا يسمون تنطعهم (عقيدة صافية) و(براءة من الشرك) و(انتصارا للإسلام)!.

نفس (الإرهاب الفكرى) الذى يدعون تأذيهم من جرائه هو الذى يمارسونه ضد من يفضح جهلهم وتحاملهم على (الثوابت) وعدم استعدادهم لنقاش علمى محترم وتفصيلى يصطلح به كل فريق على حقه.. ونفس (التطرف الفكرى) الذى يرمون به غيرهم هو الذى تنضح به كتاباتهم وتنطق به على شاشات التليفزيون ألسنتهم.. نفس (الفاشية) التى تدعو إلى حرق الآخر وإخراجه نهائيا من واقع الناس ومستقبلهم هى هى التى نراها فى المعسكر الآخر.. فقط مع تبديل الانتماءات وتغيير العناوين!

التطرف بل والشذوذ الفكرى عند جوقة أشباه المثقفين يصل بهم إلى اعتبار كلماتى السابقة وكأنها تبرر للمتطرفين دينيا الصدام والعنف والتكفير.. أقول: وهذا أيضا من فساد التصور الناجم عن ضيق الأفق والاضطراب النفسى الداخلى وسوء الطوية.. تريدون تقدما وتحضرا؟ فليكن.. تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن ندرس بتجرد أسباب تخلفنا العلمى بعد أزمنة كنا فيها على العالم بمشرقه ومغربه سادة، وما عرقلنا وقتها ديننا ولا هدى نبينا عن توجيه الدنيا وقيادة البشرية وبسط الحضارة وقتما كان الأوروبيون جهلة يحسبون (الساعة) التى أهداها خليفة المسلمين إلى ملك فرنسا عفريتا من الجن!

إن كان منَّا عقلاء لا يستخفنهم تطرف هؤلاء دينيا ولا الآخرين فكريا، فإن شبابا يافعا لظروف كثيرة لم يكتسب ما اكتسبنا من حصانة يوشك أن ينفجر فى أى لحظة وهو الذى لا يرى أمامه إلا التطاول على دين يحبه ويغار عليه!.. اللهم قد بلغت اللهم فاشهد!