عاجل

سلسلة الرد على شبهات داعش وجبهة النصرة (الشبهة الرابعة)

  • 115

التكفير بالظن والتخرص جريمة أخرى تضاف إلى جرائم "داعش" وأمثالها من التنظيمات الغالية في التكفير، التي تكفر كل من يخالفها ولو كان يخالفها في مسألة اجتهادية أصلا و لا تدخل في المناط المكفر، لدرجة أن القارئ يتعجب من الصور التي يطلقون عليها الكفر؛ فمثلا قد اشتهر عنهم أنهم يكفرون من يخرج من المعتقلات الأمريكية!!
 
وعندما تسألهم عن السبب تأتيك الإجابة (أن الأمريكان لا يطلقون سراحهم إلا إذا كانوا عملاء و خونة؛ لذلك هم يعممون الحكم بالتكفير على كل من خرج من هذه السجون!!).
 
أرأيت خرصا وظنا أعجب من هذا؟! أبمثل هذا يكفر المسلم وتستحل حرماته؟!إن الغلو في التكفير أحد أبرز سمات الخوارج في كل العصور، هذا على النقيض من أهل السنة والجماعة الذين لا يبنون حكم التكفير إلا على يقين وليس على الظن والتخرص، وإليك أقوالهم في المسألة:
 
 قال ابن تيمية: "ليس لأحد أن يكفر أحدا من المسلمين وإن أخطأ وغلط حتى تقام عليه الحجة وتبين له المحجة، ومن ثبت إيمانه بيقين لم يزل ذلك عنه بالشك؛ بل لا يزول إلا بعد إقامة الحجة وإزالة الشبهة".
 
وينقل ابن حجر الهيتمي عن أئمة الشافعية أنهم كانوا يحتاطون كثيرا في باب التكفير فيقول: "ينبغي للمفتي أن يحتاط في التكفير ما أمكنه؛ لعظم خطره وغلبة عدم قصده، سيما من العوام، وما زال أئمتنا على ذلك قديما وحديثا".
 
وأما أئمة الحنفية فإنهم أكدوا أهمية الاحتياط الشديد في باب التكفير، وذكروا أنه لا يحق للمفتي أن يقدم عليه إلا بيقين، وأن الأولى أن ينصرف عنه ما وجد إلى ذلك سبيلا، ونقل ابن عابدين بعض نصوص أئمة مذهبه فقال في "الفتاوى الصغرى": الكفر شيء عظيم، فلا أجعل المؤمن كافرا متى وجدت رواية أنه لا يكفر.
 
وفي "الخلاصة" وغيره:(إذا كان في المسألة وجوه توجب التكفير، ووجه واحد يمنعه؛ فعلى المفتي أن يميل إلى الوجه الذي يمنع التكفير تحسينا للظن بالمسلم). زاد في "البزازية": (إلا إذا صرح بإرادة موجب الكفر فلا ينفعه التأويل). وفي "التتارخانية": (لا يكفر بالمحتمل؛ لأن الكفر نهاية في العقوبة، فيستدعي نهاية في الجناية، ومع الاحتمال لا نهاية).
 
لاحظ أخي المسلم، كيف أن أئمة الحنفية ربطوا وجوب التشدد في التكفير والاحتياط الشديد في إنزاله بالمسلم بعظمة الآثار المترتبة عليه في الدنيا والآخرة!!
 
ومن العلماء الذين حذروا من الاعتماد على الظنون في باب التكفير الشوكاني حيث يقول: "اعلم أن الحكم على الرجل المسلم بخروجه من دين الإسلام ودخوله في الكفر لا ينبغي لمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن يقدم عليه إلا ببرهان أوضح من شمس النهار".
 
هذه النقول وغيرها كثيرة يصعب في هذا المقام حصرها، تؤكد أن أهل السنة والجماعة في باب التكفير عموما، وفي تكفير المعين خصوصا؛ يبنون على اليقين، وأن هذا الباب مبناه التحري وليس التجري كما يفعل أهل البدع.