عاجل

سلامة الأطفال النفسية بعد الطلاق

  • 195

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فمما لا شك فيه أن حياةَ الطفل بين والدين أسوياء هي الأكثر صحة واستقرارًا، لكن إذا تحوَّلت علاقة الأب والأم معًا لعلاقة مؤذية لأحدهما، وقد فشلت كل محاولات الإصلاح والاستمرار الصحية بينهما، ووصلت الأمور إلى طريق مسدود يصبح الطلاق خيارًا مطروحًا، وقد يكون وقتها خيارًا أفضل للجميع. 

عندئذٍ تسيطر المخاوف على الوالدين بما يخص أطفالهما وتعلو بعض التساؤلات مثل:

ماذا سيكون وضع الأطفال بعد الطلاق؟ 

هل سيمكن الاستمرار في تربيتهم بشكل طبيعي أم يصبح هذا مستحيلًا؟ 

ما ذنب الطفل في خطأ اختيار أبيه أو أمه؟!

وكذلك يطارد شبح المخاوف هذه عقول الأطفال، وما مصيرهم وشكل مستقبلهم؟

وهل ستتغير علاقتهم بالأب أو الأم؟!

ولأن الطلاق للأسف أصبح واقعًا تعيشه الكثير من الأسر، كان واجبًا أن نلفت انتباه الأم والأب كيف يعبران بالطفل هذه المرحلة بسلامٍ واستقرارٍ.

يتعرض الطفل لبعض المشاكل الشائعة عند الانفصال، مِن أبرزها: القلق والتوتر وبعض المشاعر السلبية، وصعوبة التأقلم على حياته الجديدة، ويواجه كلُّ طفل هذا الزلزال الذي داهم الأسرة بشكلٍ يختلف عن الآخر:

- الأول: الطفل الصامت، والذي يكبت مشاعره ويحاول ألا يظهر حزنه أو تأثره.

- الثاني: العدواني الذي يخرج ما في نفسه من حزن وقهر بالعنف والعدوانية، والسلوكيات السيئة.

- الثالث: الذي يواجه القرار ويناقش، ويخرج ما في نفسه، ويعبِّر عن حزنه حتى يجتاز المرحلة، وهو النموذج الصحي الذي ينبغي أن نشجعه.

وبشكل أكثر تفصيلًا، تختلف وتتفاوت رِدَّة فعل الأطفال تجاه انفصال الوالدين على حسب مراحلهم العمرية، ونموهم العاطفي والوجداني:

- أولًا: الطفل أقل مِن خمس سنوات قد يقابل الخبر بالانفعال والبكاء، لكنه بعدها يتجاهل الخبر وكأنه لا يعرفه؛ لأنه يصعب عليه إدراك مسألة الطلاق، فهي أكبر من مستوى نضجه العقلي وإدراكه العاطفي، ولكن قد يبدو عليه التوتر والشعور بعدم الأمان في صورة تبول لا إرادي، أو مص الإصبع، أو الخوف من الوحدة، وزيادة التعلُّق.

- ثانيًا: الطفل في سنِّ المدرسة وقع الطلاق عليه مختلف، فيسأل كثيرًا: ماذا حصل؟ وأين سنذهب؟ وغالبًا يهتم بالأشياء المادية الملموسة، مثل: أين سنقيم؟ 

وهل سيغير مدرسته أم لا؟

وهل هناك مجالًا للعودة؟ 

ولماذا حدث الطلاق؟ ومَن هو السبب؟ 

وأسئلة كثيرة معبِّرة عن عدم أمانه، وخوفه وعدم استقراره، وقد يسقط سبب الطلاق على نفسه أو يسعى للتقارب والصلح بين الطرفين، ويظهر عليه التوتر في شكوى مِن ألم في بطنه، أو صداع برأسه، أو اضطرابات في النوم، وقد يتأخر مستواه الدراسي.

- ثالثًا: الأعمار الأكبر، والمراهقون والبالغون يلجؤون للشكوى مع أصدقائهم وأقربائهم؛ للتعبير عن مشاعرهم، وإخراج ما في نفوسهم من حزن وقلق وهمٍّ، وفي الغالب يتخذون موقفًا تجاه أحد الوالدين بأنه هو المخطئ سواء كان الأب أو الأم، وينجذبون لطرفٍ على حساب الآخر.

وأحيانًا يتخذون موقفًا عدوانيًّا تجاه الطرف الذي يرونه المخطئ، ويكون في شكل عنفٍ أو مقاطعة، وأحيانًا ينجرفون للتدخين أو المخدرات أو الإدمانات المختلفة: كهروب من الواقع، وقد تظهر عليهم اضطرابات نفسية، مثل: الاكتئاب والعزلة، ورفض الزواج فيما بعد. 

كيف نساعد الطفل على الخروج بأقل الخسائر من مشاكل الطلاق؟

عند قرار الطلاق لا بد من اتفاق بين الوالدين على كيفية سير حياة أطفالهما فيما بعد الانفصال، وأن يتعاون الوالدان في تربية أطفالهما وتنشئتهم تنشئة سليمة، ويفصلان بين مشاكلهما الشخصية وبين الأبناء. ووعي كل منهما أن الطلاق تم بينهما كزوجبن، وليس بين أحدهما وبين الأطفال، وأن دور كلٍّ منهما سيظل مستمرًا بحياة أطفالهما.

 هذه الأمور يجب مراعاتها:

1- جلوس الأب والأم معًا مع الطفل، وشَرْح أنه سيتم الطلاق وعدم إخفاء الأمر عن الأطفال أو تضليلهم، والتحدث بأمانة وبساطة مع تجاوز التفاصيل القبيحة، مع التأكيد من كليهما أنهما يحبان الطفل وسيظلان يحبانه، وسيظل كلاهما بجانبه كما كانا من قبل (نحن الاثنان سنظل بجوارك مهما حصل).

2- تشجيع الطفل على التعبير عن مشاعره ومخاوفه، ومشاركته إياها بتفهم، مع مزيدٍ مِن جرعات الحنان والاحتواء والاطمئنان من الطرفين في تلك الفترة، حتى يطمئن الطفل أن الطرفين لن يتخلا عنه؛ فهو بحاجة للشعور بالأمان والاستقرار، وتأكيد ذلك بالقول والفعل. 

3- إبداء كل طرف الاحترام للطرف الآخر، والتواصل بينهما بشكل مهذب؛ للتعاون على تربية الأطفال والمشاركة في أمورهم. 

4- التفكير المتفائل للوالدين، وتجنب أنماط التفكير الكارثي التي تفترض أسوأ الاحتمالات في كلِّ الظروف، يجعل هذا الأسلوب الطفل أكثر اطمئنانًا وصمودًا وأقل توترًا، مع طرح بعض المزايا، مثل: أنه سيكون للطفل بيتان مستقران بدلًا من واحدٍ.

5- استمرار كلا الوالدان في المشاركة بشكل إيجابي في حياة الطفل، وعدم تخلي أحدهما عن دوره في مناقشة مشاكله اليومية ومساندته؛ خاصة الطرف غير المقيم، وعليه الحرص على أن يقيم علاقة وثيقة وداعمة مع الطفل.

6- الاتفاق على شكل متسق للتربية، ونظام روتيني واحد يتبعه الطفل إذا كان سينتقل بشكل مستمر بين بيت الأم والأب؛ ولذلك لتفادي التعارض في القواعد المتبعة للتربية بينهما. 

7- إبقاء الطفل خارج نطاق الخلافات الزوجية تمامًا، وعدم استخدامه أو استغلاله من أحد الأطراف ضد الطرف الآخر.

عند الطلاق يجب تجنب هذه الأمور تمامًا: 

- لا يتكلم أحد الوالدين بسوء عن شريك حياته السابق أمام الطفل، ولا يسمح للآخرين بذلك. 

- لا يجبر أحدهما الطفل على الاختيار بينهما.

- لا يتجادل الوالدان في مسائل رعاية الطفل أمامه.

- عدم استخدام الطفل لنقل أخبار طرف لطرف آخر.

-  عدم جعل الطفل وسيطًا بين الطرفين والترفع عن إقحامه في هذه الأمور.

- عدم كسر الروتين والقواعد التربوية؛ لجذب الطفل واستمالته تجاه طرف دون الآخر، ومراعاة خطورة ذلك عليه نفسيًّا وسلوكيًّا.

في النهاية نعم يتعرض الطفل لكثيرٍ من الألم النفسي بعد الطلاق، ويمر بفترة صعبة جدًّا في حياته تستمر آثارها غالبًا من سنة إلى سنتين، ولكن تتوقف درجة تأثر الطفل على قدرة الوالدين على تفهم احتياجات أطفالهم في هذه المرحلة، وكيفية التعامل مع هذه الأزمة بوعي من الأب والأم بشكلٍ سليمٍ يساعد الطفل أن يمر من هذه الأزمة بسلامٍ، ويصل للاستقرار النفسي بعيدًا عن الصراعات، فالأطفال الذين يحصلون على الدعم ممَّن حولهم مِن الأسرتين هم الأكثر قدرة على التكيُّف مع تغيرات الطلاق.