عاجل

ولا تيأسوا من روح الله

  • 59

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فإن اليأس خطيئة منهجية، وطريق هلكة وانحراف، قال -تعالى-: (‌وَلَا ‌تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) (يوسف: 87).

مهما كانت الظروف، ومهما طال ليل الأمة، فلا بد لهذا الليل من آخر، والمؤمن كلما اشتد الظلام فهو يرقب الفجر المشرق والنور الساطع، والعسر لن يدوم ولن يغلب عسر يسرين، قال -تعالى-: (‌فَإِنَّ ‌مَعَ ‌الْعُسْرِ ‌يُسْرًا . إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا) (الشرح: 5-6).

اشـتـدي أزمـة تـنـفـرجـي           قـد آذن لـيــلـك بـالــبــلـج

لكن المهم السعي والعمل ومعلوم، أن الطريق طويل وليس سهلًا، ولابد من بدء الحركة في الاتجاه الصحيح، وهذا يتطلب علم بالشرع والواقع مع إدراك أن هناك سننًا لا تتبدل ولا تتغير، قال -تعالى-: (‌فَلَنْ ‌تَجِدَ ‌لِسُنَّتِ ‌اللَّهِ ‌تَبْدِيلًا) (فاطر: 43).

وما يحدث من أزمات رغم المرارة؛ إلا أن الخير فيه كبير وكثير، وحالة الإفاقة واليقظة لو اغتنمت لنقلت الأمة نقلة كبيرة إلى الأمام.

والفهم الدقيق والإيمان العميق، وتحديد متطلبات المرحلة يحتاج إلى قراءة واعية للواقع، واستفادة من دروس الزمان، ومطالعة التاريخ دون غوص في أعماقه يجعلنا نذهل عن الواقع أو تصبح قراءة أمية بلا وعي ولا اتعاظ.

من المهم جدًّا وضع العلم الشرعي في نصابه الصحيح، وعدم الانسياق خلف العواطف أو التهور والاندفاع، بل تحديد مواطن النزاع، وإدراك الواجب فعله وَفْق قواعد المتاح والممكن بلا تردد يضيع الفرص أو اندفاع يحرق المراحل.

الأمة تعيش نوازل وأحداث جسام، ومخاض صعب وعسير، والعاصم من انزلاق الواقع وضياع الفرص هو الاعتصام بالدليل وتعظيم النصوص مع تقديم فهم السلف والتعامل مع النوازل وفق قواعد العلماء، واعتبار فقه الخلاف ودرجاته -سائغًا كان أم غير سائغ-، واعتبار المصالح والمفاسد، والتفريق بين المصلحة التي شهد لها الشرع واعتبرها، وبين المصلحة التي لم يشهد لها الشرع.

ولابد من الاجتهاد في العبادة الخاصة والذاتية؛ لأنها طريق التوفيق وعدم الخذلان، وطول السجود مع تعظيم قدر العبادة وخاصة الصلاة، قال -تعالى-: (‌وَاسْتَعِينُوا ‌بِالصَّبْرِ ‌وَالصَّلَاةِ) (البقرة: 45)، قال -تعالى-: (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ . فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ) (الحجر: 97-98).

أما عبادة الذِّكْر فهي روح العبادة التي بغيرها يصبح الجسد ميتًا والقلب مشتتًا، بل لا ثبات بغيرها، قال --تعالى--: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ‌لَقِيتُمْ ‌فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (الأنفال: 45).

فالنصر لهذا الدِّين قريب، ومآل الأمور إليه كما وعد الله -سبحانه- فقال: (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ) (الأنبياء: 105)، لكن لابد من تهيئة القلوب والنفس له؛ وإلا النصر وعد من الله، لكن لا ينزل على مَن لا يستحقه، (وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ) (الحج: 40).

ولنا أمل.