عاجل
  • الرئيسية
  • مقالات
  • الدين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (140) بشرى الملائكة لإبراهيم بإسحاق -صلى الله عليهما وسلم- وبهلاك قوم لوط وجداله فيه (7)

الدين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (140) بشرى الملائكة لإبراهيم بإسحاق -صلى الله عليهما وسلم- وبهلاك قوم لوط وجداله فيه (7)

  • 46

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛   

فقال الله -تعالى-: (‌وَلَقَدْ ‌جَاءَتْ ‌رُسُلُنَا ‌إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ . فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ . وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ . قَالَتْ يَا وَيْلَتَا أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ . قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ . فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ . إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ . يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ) (هود: 69-76).

الفائدة التاسعة:

الولد الصالح والحفيد الصالح مِن نِعَم الله التي يبشِّر بها المؤمنين، فهي مما يسعد الله بها عبدَه المؤمن وأَمَتَه المؤمنة؛ أن يخلق مِن نسله مَن يعبده -سبحانه- ويقيم الصلاة، ويدعو إلى الله ويهدي بأمره، قال الله -تعالى-: (وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ . وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ) (الأنبياء: 72-73).

الفائدة العاشرة:

قوله -تعالى-: (قَالَتْ يَا وَيْلَتَا أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ) يدل على أن المؤمن رغم فرحه بالبُشرى التي جاءته مِن عند الله له بالخير -وإذا جاءت عن طريق الملائكة فهي أعظم البشرى؛ لأن الملائكة لا تبشِّر من قِبَل أنفسها، بل ببشرى الله سبحانه عبده-؛ فإنه يتعجب مِن حصول النعمة بعد استبعاد وقوعها، وهو تعجب مشوب بفرح وسرور بنعمة الله، وهو يذكر في هذا المقام حاله من النقص المصحوب باستبعاد حصول النعمة؛ وذلك ليعظم الشكر ويزداد السرور.

فإن الانتقال من النقص والحرمان إلى الكمال البشري والعطاء، ومن الضيق إلى السعة مما تعظم معه النعمة في قلب المؤمن، فيكون شكره بالقلب مع اللسان، كما قال الله -تعالى- عن زكريا -صلى الله عليه وسلم-: (قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ . قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قَالَ آيَتُكَ ‌أَلَّا ‌تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ) (آل عمران: 40-41)، وقال -تعالى- عنه: (قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ ‌عِتِيًّا . قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا) (مريم: 8-9).

 وقال -تعالى- مُذَكِّرًا عبادَه المؤمنين حالهم الأول بمكة، بعد أن نصرهم ببدر، قال: (وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ ‌يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (الأنفال: 26).

وقال -تعالى- عن سارة أيضًا: (فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ . قَالُوا كَذَٰلِكِ قَالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ) (الذاريات: 29-30).

والصَّرَّة: الصيحة.

وصكت وجهها أي: ضربت وجهها وجبينها؛ ليس على سبيل التسخط من قَدَر الله، وهو الذي لعن النبي -صلى الله عليه وسلم- فاعلته، بل على سبيل التعجب، ومثل هذا يُجمَع فيه الفرح مع التعجب، والانكسار والشهود لنعمةِ وفضلِ الله -سبحانه وتعالى- بعد أن استبعد العبد حصولَ النعمة، فتأتي على قلب محتاج إليها يزداد فرحه بها، فيزداد شكره على نعمة الله -عز وجل-.

وللحديث بقية -إن شاء الله-.