عاجل

متمردو البوليساريو يشعلون الأزمة.. والمغرب والسويد على خطى مواجهة مفتوحة

  • 104
ارشيفية

أيام فقط كانت كافية لدخول العلاقات بين المغرب والسويد نفق أزمة سياسية كانت لها تداعياتها الاقتصادية فى أعقاب توجه ستوكهولم نحو الاعتراف بالجمهورية الصحراوية التابعة لمتمردي البوليساريو فى إقليم الصحراء المغربية، فى تحدٍّ واضح لسيادة الرابط على أراضيها وخرق للمعاهدات الدولية التى وقعتها السويد.

أزمة الاعتراف السويدى بالجمهورية الصحراوية لمتمردى البوليساريو بدأت فى سبتمبر 2012 حينما ناقش الحزب الاشتراكي الديمقراطي، الذي يقود الائتلاف الحكومي في السويد، قضية الاعتراف بالجمهورية الصحراوية خلال مؤتمره وصوتت الأغلبية على خيار الاعتراف، لكن قبل الاستغراق فى تفاصيلها سنطرح الموقف التاريخى للسويد من سيادة المغرب على أراضيه.

السويد كانت إحدى القوى الغربية التى وقعت على المعاهدة الدولية المعروفة باسم معاهدة الجزيرة الخضراء الموقعة بتاريخ 7 إبريل 1906، والتى يلتزم الموقعون فيها بصيانة الوحدة الترابية المغربية، باعتبار أن هذه المعاهدة استمدت أسسها من الاتفاقيات الدولية التي وقعت بين المغرب وبعض القوى الغربية، على رأسها بريطانيا، والتي اعترفت فيها بأن الصحراء جزء لا يتجزأ من التراب المغربي، وهذه الاتفاقية قبل وجود لما يدعى بالجمهورية الصحراوية التى أعلن عنها سنة 1976.

إذن وفق الاتفاقيات الدولية والشواهد التاريخية فإن تحرك الأحزاب والحكومة السويدية نحو الاعتراف بالجمهورية الصحراوية هو خرق للمعاهدات والمواثيق الدولية التى تنادي السويد باحترامها.

تحركات الأزمة الحالية بين الرباط وستوكهولم تصاعدت خلال الأيام الأخيرة؛ حيث قررت الحكومة المغربية مقاطعة الشركات السويدية بعد اعتزام الحكومة السويدية الاعتراف بما يسمى "الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية"، وأعلن وزير الإعلام المتحدث باسم الحكومة المغربية مصطفى الخلفي قبل أيام أن بلاده ستتجه إلى مقاطعة الشركات السويدية "عملا بمبدأ المعاملة بالمثل" وأن موقف بلاده جاء ردًّا على "محاولات السعي نحو الاعتراف بالجمهورية الانفصالية المزعومة"، مؤكدًا أن السويديين "قاطعوا الشركات المغربية وشنوا الحملة تلو الحملة في ذلك"، مشيرًا إلى أن "المغرب يعد موقف السويد عدائيا، وهو ليس فقط موقفًا سياسيًّا، بل اتخذ أبعادًا اقتصادية" وأن ما صدر عن السويد لم يقتصر عليها "بل تعداها إلى شن حملات للتصويت ضد الاتفاقيات بين المغرب والاتحاد الأوروبي".

وكشف الخلفي أن وزير الشئون الخارجية والتعاون "صلاح الدين مزوار" التقى عدة مرات وزيرة الخارجية السويدية مارغوت فالستروم، وعبر لها عن الغضب الكبير للمغرب إزاء التطورات التي تحدث في بلدها تجاه قضية الصحراء، واستدعت الخارجية المغربية أول أمس الثلاثاء سفيرة السويد بالمغرب للاحتجاج على الخطوات التي تعتزم بلادها القيام بها في موضوع الصحراء.

تصريحات الخلفى كانت أول السيل فى فيضان الاضطرابات الذى يهدد العلاقات بين الرباط وستكهولم حيث عقد رئيس الحكومة المغربية عبد الإله بنكيران لقاءات مع زعماء الأحزاب والنقابات المغربية لحثها على التحرك تجاه نظيرتها السويدية في محاولة للتأثير على موقف ستوكهولم.

استجابة الأحزاب بمختلف مواقفها السياسية جاءت سريعة نظرًا لمساسها بالأمن القومى المغربي حيث أعلن استعدادات جارية لتوجه ممثلين عن بعض الأحزاب المغربية اليسارية برئاسة الأمينة العامة للحزب الاشتراكي الموحد (يساري معارض) نبيلة منيب إلى السويد لعقد لقاءات مع مسئولين وبرلمانيين من أجل احتواء الأزمة بين البلدين.

السويد من جانبها حاولت تهدئة الغضب المغربي حيث أكدت على لسان وزيرة خارجيتها مارغوت فالستروم أن "حكومة دولة السويد لم تناقش بعد مسألة الاعتراف بـ"الجمهورية الصحراوية العربية الديمقراطية" كدولة قائمة بذاتها، وموقفها من القضية في طور التدارس"، وأوضحت أن "الأطراف المشكلة للمؤسسة الحكومية لا ترغب في استباق الأحداث وستنتظر التقرير الذي يعد بشأن هذه القضية، كما كلفت سفيرها بكل من ليبيا وتونس لإخضاع سياسة الدولة لتحليل دقيق، بعدها سنشرع في تكثيف الحوار لاتخاذ موقف نهائي، كما نفت السويد عملها على مشروع قرار أممي من أجل الاعتراف "بالجمهورية العربية الصحراوية" كعضو مراقب داخل الأمم المتحدة، مؤكدة دعمها لجهود المبعوث الأممي إلى الصحراء الغربية كريستوفر روس لإيجاد حل سياسي للملف.

هذا التحرك السياسي الرسمى واكبه تحرك شعبي غاضب حيث تظاهر نحو 40 ألف مواطن مغربي قدموا من مختلف المدن المغربية مساء الأحد الماضي قرب السفارة السويدية في العاصمة الرباط احتجاجًا على الموقف العدائي الأخير" لستوكهولم، واستجابة لدعوة جمعيات المجتمع المدني الثقافية والاجتماعية والرياضية المغربية التى وفرت عشرات الحافلات والسيارات لنقلهم إلى قرب مقر السفارة السويدية في الرباط.

من جانبه، أوضح مدير المركز المغربي للدراسات الاستراتيجية، محمد بنحمو، أن هذه الأزمة بين الرباط وستكهولم ليست جديدة، بل "فقط لم تكن بهذه الحدة"، موضحا بأن السويد "تبدو عازمة على الاستمرار في نهجها العدائي تجاه المغرب"، بينما أشار الناشط السياسي السويدي من أصل مغربي البشير الإدريسي، عضو الحزب الاشتراكي الديمقراطي السويدي، إلى أنه في السويد لا يوجد حديث عن أية أزمة مع المغرب، وأن وسائل الإعلام السويدية لم تتطرق بشكل كبير لهذا الموضوع، وانتقد الإدريسي الطريقة التي تفاعل بها المغرب مع اعتراف الأحزاب اليسارية السويدية بقيادة البوليساريو كـ"ممثل"، لما يسمى "الشعب الصحراوي"، معتبرًا أن التحرك المغربي كان ينبغي أن يتم منذ 2012، تاريخ إقدام هذه الأحزاب على خطوة الاعتراف.

الموقف الرسمى المغربي اتخذ سياق الرد على المقاطعة السويدية للمنتجات المغربية بقرار سلطات مدينة الدار البيضاء -كبرى مدن المغرب- إلغاء افتتاح أول مركز تجاري كبير لشركة "إيكيا" السويدية لصناعة الأثاث بالمغرب أكبر مجموعة لبيع الأثاث في العالم، والذي كان مقررا في وقت سابق وهو استثمار يقدّر بـ450 مليون درهم مغربي (نحو 46 مليونًا و170 ألف دولار) ، وعللت ذلك بكون "الشركة ليس لديها شهادة المطابقة التي تمنحها المصالح الإدارية المختصة".

القرار المغربي أثار الكثير من الجدل حول جدواه الاقتصادية ومدى تأثر ذلك على القرار السياسي للسويد بشأن قضية الصحراء، تفيد الأرقام أن حجم المبادلات التجارية بين الرباط وستوكهولم يبلغ نحو تسعة مليارات درهم مغربي ( نحو 900 مليون دولار) ، منها أربعة مليارات درهم عبارة عن واردات مغربية من السويد، وخمسة مليارات درهم من الصادرات المغربية نحو السويد، أما عدد الشركات السويدية المستثمرة بالمغرب فتفيد التقديرات أنه أزيد من 20 شركة، وهي التي سيمسها قرار المقاطعة في حال استمرت الأزمة بين المغرب والسويد على حالها.

ودافع رئيس لجنة الخارجية والدفاع الوطني بمجلس النواب المغربي محمد المهدي بن سعيد عن قرار بلده، وأنه يحمل رسالة واضحة، مفادها أنه لا يمكن الاستفادة من العلاقة على المستوى الاقتصادي، وفي الوقت نفسه يتم طعنه من الخلف والمس بمصالحه الحيوية، بينما قال أستاذ القانون الدولي بجامعة محمد الخامس بالرباط تاج الدين الحسيني إن هذا القرار وسيلة ضغط اقتصادية صارمة لثني السلطات السويدية عن تفعيل قرار برلمانها القاضي بالاعتراف بما تسمى الجمهورية الصحراوية.

على الجانب الآخر يرى الخبير الاقتصادي، عز الدين أقصبي، أن التفاعل الاقتصادي بين المغرب والسويد "ليس بالحجم الكبير"، وأن المغرب "ليس في موقع قوة حتى يتخذ قرار المقاطعة الاقتصادية"، وذلك لأن هذا القرار "يمكن أن يؤثر في موقف دول شمال أوروبا التي تجمعها مع السويد علاقات اقتصادية وسياسية قوية".

النشاط الملحوظ لمتمردي البوليساريو في الدول الإسكندنافية من جهة ومتانة العلاقات السياسية والاقتصادية التي تربط بين هذه الدول الإسكندنافية وبعضها البعض، يجعل من تصاعد الأزمة بين المغرب والسويد قنبلة موقوتة، لها تبعاتها ليس فقط على العلاقات بين الدولتين أو حتى على مستوى العلاقات بين المغرب والدول الإسكندنافية عامة ولكن قد يتجاوزه إلى التأثير على علاقات المغرب مع دول الاتحاد الأوروبي نظرا لما تتمتع به هذه الدول من ثقل داخله.

من هنا على المغرب أن تتحرك بشكل أكثر حيوية ومرونة لاستغلال جالياتها الكبيرة فى دول الاتحاد الأوروبي للضغط على هذه الدول لتضغط بدورها على الحكومة السويدية لتغيير موقفها، كما يجدر على الرباط التحرك لطلب المساندة من دول الخليج وعلى رأسها السعودية والإمارات لتوجيه رسالة إلى ستكهولهم أن اعترافها بالجمهورية الصحراوية وتهديدها للوحدة الترابية للمغرب سيؤدى للإضرار بعلاقاتها مع الرياض وأبو ظبي وهي خطوة كفيلة بأن تعيد السويد إلى رشدها.