"الصومال" كلمة السر.. محطات مهمة في الصراع الأمريكي الصيني

  • 50
صورة أرشيفية معبرة

تعيش منذ أكثر من عشرين عامًا حالة من عدم الاستقرار السياسي والأمني، وتغيرت قيادتها السياسية خمس مرات خلال تلك الفترة القصيرة، ورغم جهودها في إنشاء علاقات صداقة مع العديد من الدول، بجانب توطيد علاقاتها مع الكثير من الكيانات السياسية غير المعترف بها دوليًّا مثلها تمامًا؛ فإن حرصها على هذا التوجه من أجل حصولها على الاعتراف الرسمي الدولي جعلها تستقبل بعض الكيانات مثل "ليبرلاند" و"مملكة الجبل الأصفر".

صوماليلاند جمهورية مستقلة عن الصومال منذ الحرب الأهلية خلال عام 1988م، لكن غير معترف بها دوليًّا حتى الآن، وتوجهها ناحية الشرق الأقصى في عهد الرئيس الحالي موسى بيحي عبدي معلم واضح لسياسته الدبلوماسية، لكن حدث ما لم يكن في الحسبان؛ فقد تعنت الحزب الشيوعي الصيني الحاكم تجاه بعثة تدريبية غير رسمية لمنتسبي لالخدمة الوطنية الصوماليلاندية إلى الصين؛ كان نتيجته اتخاذ هرجيسا –عاصمة تلك الدولة- قرارًا بعدم وضع بكين على قائمة اهتماماتها الدبلوماسية، والتوجه في الوقت ذاته ناحية الغرب لا سيما أمريكا.

السيطرة الأمريكية

منذ سبعينيات القرن الماضي والصومال تقع تحت النفوذ الأمريكي بعد طرد الخبراء السوفييت، واستعانت صوماليلاند بحسن علاقاتها مع بريطانيا الحليف الجيد لأمريكا؛ وذلك ضمن لها عدم التأثر بالتقلبات السياسية الأمريكية عند تغير إدارة واشنطن، إضافة غلى اهتمام دول الاتحاد الأوروبي بأوضاع تلك الدولة، وإسهام تلك الدول في تمويل مشروعات تنموية بها.

لكن تغير الموقف الغربي تجاه آبي أحمد رئيس الوزراء الإثيوبي، واحتضان واشنطن جبهة تيجراي -بطريق غير مباشر- خلال الحرب الدائرة حاليا بينهما، كان بمثابة رد فعل أمريكي متأخر تجاه تدخل الصين وتوغلها في إثيوبيا وجيبوتي، وهذا التوغل لم يكن وليد لحظة أو ليلة، بل تم عبر سنوات طوال من العمل تمتد لثلاثة عقود وربما أكثر؛ مما أدى إلى زيادة اتهامات آبي أحمد بانتهاكات ترقى لجرائم الحرب ضد المدنيين في إقليم تيجراي، بجانب التضييق المستمر على إمدادات السلاح الآتية من دول خارج النطاق الغربي؛ وهذا جعل آبي أحمد يحتاج إلى ميناء "بربرة" في صوماليلاند من أجل تمرير ما عجزت جيبوتي عنه من خلال موانئها؛ ما منح قيادة هرجيسا مجالًا كبيرًا ورحبًا الاستغلال ذلك دبلوماسيًّا أمام جارتها إثيوبيا.

تحركات آبي أحمد

وعلى الجانب الآخر نجد انخراط رئيس وزراء إثيوبيا في بناء موقع أفضل لسياسة بلاده الإقليمية عن طريق عبر سياسة "صفر مشاكل" و"التكامل الإقليمي" أوقعته في مآزق الواقع السياسي بدولة الصومال؛ وبالتالي وضع صوماليلاند تحت ضغوط كبيرة، وهمش موقف جيبوتي، وأثر سلبيًّا على نفوذ كينيا في الصومال؛ كل ذلك جعل هناك حالة من التربص فيما يخص تحركات آبي أحمد منالقيادات السياسية الأفريقية الأكبر منه سنًّا والأطول خبرة بالطبع في أفريقيا؛ ما سيخلق تعقيدات ستظهر آثارها فيما بعد، وتكسر حدته تدريجيًّا بمرور الوقت بدءًا بتوجه كينيا نحو صوماليلاند، ورفع الرسوم والتعرفات على تجارة إثيوبيا المارة عبر جيبوتي.

وربما يكون تركيز رئيس الوزراء الإثيوبي خلال الفترة المقبلة على إيجاد منافذ بحرية جديدة لبلاده وسط بطء تقدم ملف الموانئ الإريترية، والتحفظات على هرولة أديس أبابا لإيجاد حلول مجتزأة للخلاف الحدودي الجيبوتي-الإريتري، وإحراجه الرئيس موسى بيحي عبدي بسبب دعوته إلى العاصمة الإثيوبية، وفي الوقت ذاته أخفى آبي أحمد عنه نيته جمعه بالرئيس الصومالي محمد عبد الله فرماجو؛ كي يضغط على عبدي لصالح حليفه فرماجو؛ من أجل استئناف المحادثات بينهما؛ وهذا جعل قادة صوماليلاند يستخفون بالقيادة الإثيوبية ولا يثقون فيها رغم ثقل دولتها سياسيًّا، لا سيما مع مراهنة صوماليلاند على فشل رئيس الصومال فيما يخص التعامل مع التحديات السياسية والأمنية في بلاده، خاصة مع  استمرار عمليات "حركة الشباب" المتطرفة.

الصراع الكبير

تحركات آبي أحمد السريعة، والتعالي الصيني في تعاملها مع صوماليلاند، وإهمالهما واقع عدم وجود نفوذ على الأرض للصومال في صوماليلاند، بجانب المتغيرات التي شهدتها -ولا تزال تشهدها- الساحة الدولية، والاستنفار الغربي ضد الصين؛ كل ذلك جعل هرجيسا تقدم على قطع العلاقات مع أديس أبابا مع أديس أبابا وحليفتها بكِّين؛ من خلال فتح باب المحادثات مع جمهورية الصين الديمقراطية "تايوان"، وإرسال ممثل لها إلى عاصمتها تايبيه؛ ما نتج عنه فتح مكتب تمثيلي لتايوان في صوماليلاند.

وهذا سمح لحكومة هرجيسا لرد الصاع صاعين لبكِّين، وتمثل ذلك في استقبالها البارد لوفد الصيني الذي زار عاصمة بلادها، بجانب رفض تحذيرات ومقترحات ذلك الوفد؛ وهذا أثار غضب الخارجية الصينية وأصدرت بيانات تتوعد فيها صوماليلاند، وكررت شعار "سيادة الصومال ووحدة وسلامة أراضيه". وهذا بالتزامن مع موقف الطبقة السياسية في هرجيسا التي ترى أن موقف بكِّين السلبي في صالح بلادهم من خلال إظهار دورها المهم في السياسة الإقليمية، ويقوي علاقتها مع أصدقائها الغربيين، رغم وجود مؤشرات على تحركات أطراف ذات نفوذ قوي في النظام الإثيوبي؛ بهدف تقوية موقعها السياسي عبر الانحياز لغضب الصين من صوماليلاند؛ وذلك من خلال التأثير في الوضع السياسي في هرجيسا عبر استغلال تناقضات سياسية داخلية يمكن تحريكها باستثمار تداخلات القبائل على جانبي الحدود الصوماليلاندية-الإثيوبية، وطرح ملف بناء القوة البحرية الإثيوبية وإبرازه، وتصاعد تحذيرات الدول الغربية من الخطط الإثيوبية للسيطرة على ميناء "زيلع"، خاصة عقب اللغط الذي أثارته وسائل إعلام أديس أبابا التي ادعت امتلاكها ميناء "بربرة" بسبب نصيبها البالغ 19% من الاتفاق الموقع في عام 2014م مع شركة "دبي للموانئ العالمية"؛ وبناء عليه نفى سعد علي شره وزير مالية صوماليلاند وجود تلك الحصة؛ وهذا معناه دخول هرجيسا رسميًّا إلى خط المواجهة الأمريكية الصينية رغم تبعاته.