برهامي: قلب الإنسان خلق محلا للروح العلية ولابد من التوازن في الشهوات المباحة حتى لا تغلبه وتخلد به إلى الأرض

  • 44
الفتح - الدكتور ياسر برهامي، نائب رئيس الدعوة السلفية

قال الدكتور ياسر برهامي، نائب رئيس الدعوة السلفية: إن قلب الإنسان خلق محلًا للروح العلية، ولكن هذه الروح وضعت في هذا البدن الأرضي. فقد نسب الله تعالى الروح إليه فقال: {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ} [الحجر: 29]، موضحًا أن أعظم تكريم للإنسان، أن الله سواه بيده ونفخ فيه من روحه، مشيرًا إلى أن نسبة الروح إلى الله -عز وجل- نسبة تشريف، فهي علية ومرتفعة إذا أُعطيت حظها، وإذا لم تحول عن هذا التشريف إلى أن تصبح روحًا أرضية، أو أسوأ من ذلك سفلية، كأرواح الشياطين الهابطة.

وأكد "برهامي" -خلال كلمته في الندوة التي نظمتها الدعوة السلفية بمصر بعنوان "انطلاقة قلب جديد في رمضان"- أن الإنسان يحتاج إلى أن يرتفع؛ إذ أن هناك قوة رافعة ترفعه، ولكن هناك عقبات تجذبه. لافتًا إلى أن القوة الرافعة قد بينها الله -عز وجل- في قوله: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ (175) وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَٰكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ ۚ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ۚ ذَّٰلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا ۚ فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}[الأعراف: 175-176]، مضيفًا: بيّن الله أنه يرفع بآياته، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إنَّ اللهَ تعالى يَرفَعُ بهذا الكِتابِ أَقوامًا، ويَضَعُ بِه آخَرينَ" [صحيح الجامع]، أي يجعلهم أسفل منهم لمن تأخر في تعلم الكتاب.

وتابع: وليس المقصود حفظ الألفاظ فقط، بل حفظ هذا كالوعاء الذي يوضع فيه أنواع الخيرات، ولا يصلح أن يكون الإنسان طالبا لأنواع الخيرات بلا وعاء، موضحًا أن العبادات هي الوعاء الذي يُملأ بالخير، وروح الإنسان ترتفع بآيات الله فتقترب، قال تعالى: {واسجد واقترب}، مستطردا: لذلك حتى ننطلق فعلا، لابد أن نتخلص من الروابط التي تجرنا إلى الأرض، فالجسم الإنساني خلق من الأرض -من الصلصال- ﴿من حمأ مسنون﴾ والحمأ، أي الطين، والمسنون، أي المنتن، مشيرًا إلى أننا من دون الروح حمأ مسنون، كما يحدث للميت عندما تخرج منه الروح، ولكن الروح ليست مجرد الحياة؛ لأن الله وصف الكفار بأنهم أموات، قال الله تعالى: {وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَىٰ وَالْبَصِيرُ (19) وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ (20) وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ (21) وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَن يَشَاءُ ۖ وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُورِ} [فاطر: 19-22].

واستطرد "برهامي": فشرع الله -عز وجل- لنا ما نتخلص به من الإخلاد إلى الأرض، فحاجة الإنسان معروفة عند كل الناس، فيحتاج إلى الطعام والشراب، ثم بعد حين حاجته إلى الشهوة الجنسية وإلى المال وإلى النوم والراحة، وحاجته إلى الكلام والاختلاط بالناس؛ لأنه خلق مدنيًا بطبعه، يميل إلى العيش في تجمعات، فتكون هذة الأشياء الستة، "الطعام والشراب، والشهوة الجنسية، والمال، والنوم، والكلام، والخلطة"، مشيرًا إلى أن الله شرع لنا في رمضان ما نتحكم به في هذه الأشياء، ولم يشرع لنا اجتثاثها، ولم يشرع لنا أن نمتنع منها بالكلية، كما يفعل الأحبار والرهبان، في كل الملل التي فيها الرهبانية يعذبون أنفسهم عذابًا شديدًا، ويمتنعون من الطعام والشراب، ويمتنعون نهائيًا من الشهوة الجنسية، وبعضهم  يختصي، حتى أراد بعض الصحابة ذلك؛ ليتخلصوا من أمر الشهوة فنهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك نهيًا شديدًا وحرم الخصاء، وبعضهم قال "أما أنا  فأصوم ولا أفطر"، والثاني قال "أنا أقوم ولا أنام"، وقال الثالث "أما أنا فلا أتزوج النساء"، وقال آخر "وأنا لا آكل اللحم ولا أنام على فراش"، مضيفًا: فبعضهم تعبد بمجرد السهر وبعضهم تعبد بدوام قيام الليل بلا نوم على الإطلاق في الليل، وهؤلاء قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لهم: "أما أنا فأصوم وأفطر وأقوم وأنام وأتزوج النساء"، وفي رواية: "وآكل اللحم وأنام على فراشي وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني".

وقال نائب رئيس الدعوة السلفية: هذا التوازن العظيم من دون أن يحدث إفراط ولا تفريط؛ لأن من ظل مستسلمًا لشهواته ولا يبحث عن تهذيبها وإصلاحها، فتغلبه هذه الشهوات، فيكون أهم شيء له الأكل والشرب، وأخذ راحته في النوم، وبعد أن يبلغ فتكون الشهوة الجنسية أهم شيء عنده، ولابد أن يحصلها بأي طريق، حتى ولو لم يجد الحلال يحصلها بالحرام، بالنظر إلى المواقع الإباحية، ومعها ممارسة العادة السرية، ومعها إن تمكن من صحبة البنات وفعل الفواحش. موضحًا أن الله شرع لنا في رمضان الصيام الذي فيه ترك الطعام، والشراب والشهوة الجنسية في النهار، وأباح في الليل الطعام والشراب والمباشرة والمعاشرة الجنسية؛ لكي يكون الإنسان متوازنًا، يتحكم هو في الشهوة ولا تتحكم فيه.