ظهور الأمر والنهي يمنع العقاب العام.. "برهامي" يوضح المنافع العظيمة للدعوة إلى الله

المهم بذل كل ما في وسعنا على طريق الحق دون تبديل في الثوابت بشرط فهم معنى الثوابت الحقيقية وعدم خلطها بالأمور الاجتهادية والفتوى والمصالح والمفاسد

  • 85
الفتح - الدكتور ياسر برهامي، نائب رئيس الدعوة السلفية

قال الدكتور ياسر برهامي، نائب رئيس الدعوة السلفية: إن من أهم الأمور التي يحتاجها الداعي والمصلح في مسيرته للإصلاح أن يُدرك حقيقة مهمته التي كلفه الله بها، حتى لا يصيبه الإحباط، إذا لم يجد ما يرجوه من نتائج، مشيرًا إلى أن حدود هذه المهمة تتلخص في قول الله تعالى في قصة أصحاب السبت: {وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} [الأعراف: 164]، موضحًا: فهي مهمة بذل الجهد في الأمر بالخير والنهي عن السوء والشر والفساد، ومع الإخلاص لله، وليست مهمتهم أن يتحقق ذلك، إذا بذلوا كل ما في وسعهم، وتوكلوا على ربهم؛ فالنتائج ليست عليهم.

وأشار "برهامي" -في مقال له بعنوان "معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون" نشرته جريدة الفتح- إلى أنه في قصة أصحاب السبت لم يحصل التغيير المنشود، وظل أكثر أهل القرية على فسادهم واعتدائهم في السبت وقد عاقبهم الله تعالى، ولكن الدعاة إلى الله تعالى لم يغِب عنهم أن واجبهم هو الإعذار إلى الله؛ أي إقامة عذرهم عند الله أنهم بذلوا ما في وسعهم للإصلاح، ولكنهم لم يستطيعوا أن يغيروا الواقع لإصرار أهل المعصية والفساد، وعدم القدرة عند أهل الإصلاح للتغيير الملموس، فلم يكونوا أصحاب سلطة ولا قدرة، لافتًا إلى أنهم لم يفقدوا الأمل في الأثر، لأجل دعوتهم الإصلاحية {وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ}، مؤكدًا أن النفع المرجوُّ ليس فقط هو النفع العاجل بصلاح حال المفسدين، بل هناك ستة أنواع مِن النفع في التذكير، هذا واحد منها، وهو الاستجابة من المدعوِّ والتذكر فورًا.

وأضاف "الثاني: الاستجابة المتأخرة بعد حين "ولعلهم يتقون" وضرب على ذلك مثالا: منذ أربعين سنة لم يكن الحجاب منتشرا في مجتمعنا، بل كانت المرأة تصل إلي سن الستين ولم تغطي شعرها ولا ساقها، أما الفتيات فحدث ولا حرج"، متابعًا: وبدأت الصحوة الإسلامية ودعا دعاة الخير والإصلاح إلي الحجاب ثم النقاب، مشيرًا إلى أنه لم تستجب كل النساء، ولكن استقر في النفوس وجوب الحجاب، وكان التشريع هو الداء الذي  يؤجل الاستجابة، لكن صح الاعتقاد في وجوبه ورؤية التقصير والذنب في تركه إلي الزواج أو إلي كبر السن قليلا، منوهًا بالواقع اليوم إذا نظرت إلى أي امرأة دون الأربعين، بل ربما فوق الخمسة والثلاثين قلما تجد امرأة متبرجة أو على الأصح كاشفة شعرها لأنها قد عقلت عند كبر سنها وبعد زواجها ضرورة الحجاب، وحصلت الاستجابة المتأخرة ولو جزئيا.

واستطرد "برهامي": الثالث من منافع الذكرى: استجابة غير المحتسب عليه ممن لم يخاطب الداعي كطفل صغير بدلا من أن يستقر في نفسه جواز السب واللعن، وربما سب الدين بل سب الله -عز وجل-، وشرعه في بعض المجتمعات، يستقر في نفسه ذم لك؛ لأنه رأى شخصًا ينكر على من سب ولعن، والرابع هو استجابة المحتسب عليه نفسه، وأما الخامس من وجوه النفع، الانتفاع الخاص للأفراد الذين استجابوا لدعوة الير والإصلاح، وأما السادس هو النفع العام للمجتمع، وظهور الأمر والنهي وهذا يمنع العقاب العام، فالله يعاقب الأمم بعقوبة عامة على ذنوبهم إذا كثر الخبث كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لما سئل "أنهلك وفينا الصالحون؟"، قال: "نعم إذا كثر الخبث"، أما مع ظهور الأمر بالمعروف والنهي عن الفساد والمنكر فإن العقوبة لا تعُم، كما وقع في قصة أصحاب السبت، قال تعالى: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} [الأعراف: 165]، مشيرًا إلى أن نفع المجتمع بوجود دعوة الإصلاح ووجود فريق من الصالحين المصلحين بعدم العذاب العام دل عليه قوله تعالى: {وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}، [الأنفال: 33] أي: وفيهم من يستغفر، لكن إذا كثر الخبث عم العقاب وبعث المؤمنون على نياتهم.

وأوضح نائب رئيس الدعوة السلفية، أن المهم أن نبذل كل ما في وسعنا وعلى طريقة الحق دون تبديل في الثوابت بشرط فهم معنى الثوابت الحقيقية، وليس المتوهم عند بعض الجهال، موضحًا أن الثوابت هي البينات، قال تعالى: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [آل عمران: 105]، ومن خالف نصًّا (آية محكمة من كتاب الله، أو حديثًا ثابتًا، أو إجماعًا قديمًا للسلف، أو قياسًا جليًّا على هذه الثلاثة) فهو الذي خالف البينات وترك الثوابت، أما تغيير الرأي في أمور اجتهادية أو تغيير الفتوى بتغير الزمان والمكان والأحوال أو تغير الموارنة بين المصالح والمفاسد فهذه أمور مارسها أئمة العلم وسادات الأمة عبر الزمان، وجاهل من يجعل التغير فيها تضييعا للثوابت أو تقديمًا لتنازلات محرمة باطلة لمصالح موهومة.