الكيلوا بـ 1000 جنيه سوداني.. سكان دارفور يأكلون الجراد بسبب الجوع.. واتهامات للدعم السريع بالإبادة الجماعية ونهب المساعدات

  • 23
الفتح - أرشيفية

"النازحون في معسكر كلمة (بدارفور) ليس لديهم أكل ولا مشرب وبعضهم يتناولون بقايا الطعام من القمامة، بينما يتناول آخرون قشر العيش (قشر الذرة المتبقي من محاصيل الذرة)، هكذا وصف عمر شرف الدين، أحد سكان معسكر كلمة للنازحين بمدينة نيالا عاصمة ولاية جنوب دارفور معاناة نازحي المعسكر اليومية في رحلة البحث عن الطعام.

تتكون عائلة شرف الدين من 12 فردًا، يتناولون وجبة واحدة فقط يوميًّا مكونة من قشر العيش.

قال شرف الدين لـ"بي بي سي": حتى هذه اللحظة يموت يوميًّا نازحون من الأطفال وكبار السن بسبب سوء التغذية"، مُطالبًا المنظمات الإنسانية بالاتجاه إلى المعسكر "لإنقاذ النازحين من الجوع والموت".

لجأ بعض سكان دارفور إلى اصطياد الجراد وأكله بسبب شح الأغذية وعدم وصول المساعدات الإغاثية، وقالت التنسيقية العامة للنازحين واللاجئين في دارفور لـ"بي بي سي نيوز عربي": إن بعضًا من سكان دارفور لجأوا إلى أكل الجراد بسبب شح الغذاء الذي تسبب في مستويات مرتفعة من الجوع.

جراد للبيع

وأرسلت التنسيقية فيديو مصورًا يظهر أكوامًا من الجراد معروضة في أحد الأسواق بولاية جنوب دارفور بغرض الطعام.

وتتحدث في خلفية الفيديو سيدة تقول: "إن الأطفال الجوعى لا يجدون أي طعام سوى الجراد ويضطرون لأكله".

وقد أكدت عواطف عبد الرحمن يوسف رئيسة مكتب المرأة النازحة بالإدارة العامة لمعسكرات النازحين بإقليم دارفور، المقيمة في معسكر سكلي للنازحين بولاية جنوب دارفور- أكل بعض السكان للجراد.

وتابعت "يوسف": "بعض الناس يأكلون الجراد والبعض الأخر يأكلون عصيدة الذرة (دقيق الذرة مطبوخ بالماء). أما الذين يأكلون الخبز فنسبتهم لا تتعدى 20%".

لا يقتات سكان ولاية جنوب دارفور على الجراد فقط؛ إذ قال محمد يونس متحدثًا لـ"بي بي سي" من منطقة جبل مرة بولاية وسط دارفور: "إن غالبية المواطنين هنا يستخدمون الجراد كغذاء يومي لهم"، لا سيما أنّه موسم الجراد الصحراوي.

وبحسب محمد يونس، كان يأكل سكان درافور الجراد كجزء من الثقافة لكن ليس كوجبة غذاء رئيسة. مضيفًا : "هنا الجراد يُستخدم بديلًا للّحوم وطعمه ليس جيدًا، يشبه طعم اللحم المجفف الذي خُزّن لفترة طويلة".

ويلجأ معظم سكان جبل مرة بوسط درافور إلى اصطياد الجراد بالمبيدات الحشرية أو عن طريق حرقه بالنار بدلًا من شرائه. ويصل سعر كومة الجراد (أقل من كيلو) إلى 1000 جنيه سوداني (ما يعادل حوالي دولارين)؛ ما يعد سعرًا مرتفعًا للغاية بالنسبة للسكان، بحسب ما يقول آدم رجال من تنسيقية النازحين.

وقد حذر محمد يونس السكان عدة مرات من آثار أكل الجراد الذي اُصطيد بالمبيدات الحشرية "لكن دون جدوى".

ولا يصطاد الجراد السكان فقط؛ إذ يفعل التجار ذلك حيث يعتمدون عليه كمصدر رزق لعرضه وبيعه للأكل. ولجأ آخرون في منطقة جبل مرة إلى أكل ورق الشجر بسبب الجوع، بينما يأكل بعض السكان هناك نبات البفرة.

وقد أعلنت منذ أسبوعين "حركة تحرير السودان المسلحة- جناح عبد الواحد نور" عما وصفته بـ"مجاعة شديدة" ضربت مناطق سيطرتها في جبل مرة بولاية وسط دارفور، عبر بيان رسمي على موقعها الإلكتروني.

وقالت التنسيقية العامة للنازحين واللاجئين في دارفور: إنها سجلت 443 حالة وفاة بين الأطفال في مخيم كلمة للنازحين بولاية جنوب دارفور منذ بدء الحرب في السودان يوم 15 أبريل الماضي حتى مارس من هذا العام.

وأشارت عواطف عبد الرحمن يوسف إلى "أنّ ظروف النازحين في محلية بليل بولاية جنوب درافور صعبة للغاية؛ فقد توفي 19 شخصًا بسبب بالجوع، فضلًا عن وفيات كثيرة بين الأطفال".

وأضافت: "منذ نشوب الحرب إلى يومنا هذا لم تصل الولاية أيّ مساعدات إنسانية، الوضع ينذر بكارثة كبيرة، الموت سيكون النتيجة الحتمية إذا لم يصلنا الغذاء".

وتابعت: "المساعدات التي وصلت نسمع عنها فقط لكننا لم نرها".

شبح المجاعة

قال محمد جمال الدين مسؤول الإعلام الوطني في برنامج الغذاء العالمي: "إنّ عدم وجود مسارات إنسانية آمنة هو العائق الأكبر لإيصال المساعدات"، والبرنامج يواجه تحديات عدة للوصول إلى إقليم دارفور.

وتابع جمال الدين: "استطعنا منذ بضعة أيام إيصال مساعدات عبر الحدود التشادية بعد فترة توقف بسبب إيقاف السلطات التصاريح اللازمة لإيصال المساعدات عبر الحدود"، لكنّ تلك المساعدات التي أُدخلت ليست كافية؛ إذ إنّ"برنامج الغذاء العالمي بحاجة ماسة للوصول للإقليم لمنع وقوع كارثة جوع".

وقال الخبير العسكري السوداني اللواء إبراهيم أمين مجذوب: "إن إيقاف التصاريح من الجانب الحكومي كان بغرض التنسيق لوضع آلية للمراقبة تشمل أطراف النزاع والحكومة التشادية والأمم المتحدة؛ لمنع دخول أي دعم لوجستي أو عسكري للدعم السريع".

سيناريو الإبادة الجماعية 

في ظل اقتراب إقليم دارفور من مستويات كارثية من الجوع، حاولت قيادات معسكرات النازحين في الإقليم التواصل مع جهات عدة لتفادي وقوع مجاعة؛ إذ قالت عواطف عبد الرحمن: إنّ قيادات النازحين أرسلوا خطابًا إلى المسؤولين القائمين على تنسيق إيصال المساعدات الإنسانية بولاية جنوب دارفور. وأرسلوا كذلك خطابًا باسم النازحين إلى حاكم إقليم دارفور ورئيس حركة تحرير السودان مني أركو مناوي. "لكن الجهود لم تكلل بالنجاح، الوضع الأمني هو المُحدد الرئيس لإيصال المساعدات".

وتخشى "عبد الرحمن" من أن الظروف الحالية تشبه ما حدث منذ عشرين عامًا خلال عام 2004 عندما تعرض سكان إقليم دارفور لإبادة جماعية بسبب نزاعات قبلية للحصول على الموارد الغذائية.

كما قال محمد يونس: "إنه إذ لم تستجب المنظمات الانسانية وترسل مساعدات غذائية ستحدث مجاعة في إقليم دارفور تتسبب في نزاعات قبلية داخل الإقليم من أجل البقاء".

كيف تصل المساعدات عبر معبري "الطينة" و"الدبة " إلى دارفور؟

اتفقت حكومة السودان والأمم المتحدة وبعض المنظمات الإنسانية أن تكون مدينة الفاشر (عاصمة ولاية شمال دارفور) مركز تنسيق المساعدات إلى بعض ولايات إقليم دارفور.

وتنسق ما تعرف بـ"القوة المشتركة" التي تضم قوات حركة تحرير السودان التابعة لمناوي وبعضًا من الحركات المسلحة حماية وتأمين وصول قوافل الإغاثة إلى بعض مناطق دارفور عبر معبري "الطينة" و"الدبة" لولاية شمال دارفور؛ إذ تدخل المساعدات عبر معبر "الطينة " الحدودي من التشاد إلى مدينة الفاشر. بينما تصل المساعدات إلى مدينة بورتسودان التي تقع تحت سيطرة الجيش، وتمر عبر "الدبة" ثم تصل إلى ولاية الفاشر ومنها إلى ولاية جنوب دارفور.

وطالب نشطاء في دارفور طرفي النزاع في السودان إلى إيقاف هذه الحرب حتى لا يحصد الجوع مزيدًا من الأرواح

اتهامات للدعم السريع بنهب المساعدات

تواصلت "بي بي سي نيوز عربي" مع الرائد أحمد حسين مصطفى الناطق العسكري لحركة تحرير السودان التابعة لمناوي، وسألته عن أسباب عدم دخول مساعدات إنسانية إلى إقليم دارفور. وقال الناطق العسكري: إن القوة المشتركة لا تزال تنسق مع المؤسسات الإنسانية لإدخال الغذاء والدواء عبر معبري الدبة والطينة إلى ولاية شمال دارفور.

لكنه أرجع توقف العمليات الإنسانية بسبب ما وصفه بالهجوم الذي شنته قوات "الدعم السريع" على مدينة ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة، ونهب مخازن المنظمات الإغاثية هناك، قائلًا: "إن مدينة ود مدني هي الموقع الذي يربط بين شرق السودان وغربه".

وأضاف: "منذ بضعة أيام نهبت قوات "الدعم السريع" شاحنات تابعة لـ"يونيسيف" تحمل مواد غذائية وأدوية مخصصة للأطفال، وهي حصة ولايتي شمال وجنوب دارفور، ونقلتها إلي مدينة الضعين في ولاية شرق دارفور".

يذكر أن مليشيا "الدعم السريع" سيطرت على مدينة الضعين عاصمة ولاية شرق دارفور في شهر نوفمبر الماضي.