أخلاق الصحوة الإسلامية بين الإيمان والمعرفة

  • 114

فارق بين "الإيمان" بالمفاهيم الشرعية الذي يتضمن التصديق والقول والعمل، وبين مجرد "المعرفة" السطحية لتلك المفاهيم والتي لا تتضمن أيا من ذلك، وبينهما درجات ممن يدعي بقوله ولا يصدق فعله قوله...إلى غير ذلك مما نرى من المهازل الأخلاقية فيمن ينتسبون إلى هذه الصحوة الإسلامية التي يؤمل عليها أن تغير واقع الأمة، لكن يبدو بجلاء أنها تضخمت كما على حساب البناء الكيفي للفرد في كافة جوانب الشخصية المسلمة ، وتحتاج إلى إعادة تأهيل لمهمة صعبة للغاية.

"قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم" (الحجرات: 49).

نحن نحتاج (بالأخص) كصحوة إسلامية أن "نؤمن" بما "نعرفه" في كثير من مفاهيم الشريعة الغراء، بدايةً بما نقدر عليه من الأخلاق الحسنة كالصدق والأمانة وعفة اللسان والوفاء بالعهود وحب المسلمين وغض البصر وكف الأذى وسعة الصدر والزهد في الدنيا...إلخ ؛ ومن ثم تتسع دائرة من يؤمن بهذه المفاهيم حبا في أخلاقنا وتأثرا بها ، ويزدادون عمقا وإيغالا في بحر الشريعة الخضم لتحصيل كنوزهفي شتى أنواع العبادات والمعاملات.

ولقد جرت بين الناس مقولة: (فاقد الشيء لا يعطيه)؛ لذا فإن من لا يلتزم بالشريعة فيما هو متاح له منها فلن يكون أهلا لإقامتها مهما ادعى ذلك ، ولن يقبل الناس أن تحدثهمعن الشريعة وأنت لا تلتزم بها في أيسر صورها من الأخلاق والسلوك "أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون" (البقرة: 2).

ولقد علم بالتجربة أن"عمل رجل في ألف رجل أبلغ من قول ألف رجل في رجل"؛ لذلك لابد أن ندرك أنه لن يصدقنا الناس في دعوانا حتى تصدق أفعالُنا أقوالَنا ، وحتى يروا تلك المفاهيم الشرعية التي يسمعونها منا رأي عين بعمل وسلوك واقعي حي ، ولا يأتي ذلك إلا من قلب مؤمن بهذه المفاهيم والأخلاق حقيقةً،ولا يكتفي بمجرد المعرفة.

وذلك تماما مثل أن دلالة الحب للنبي صلى الله عليه وسلم اتباعه في كل تلك المفاهيم الشرعية والأخلاق كما في آية الامتحان هذه "قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم"(آل عمران: 3).

ووسائل تحقيق هذا الإيمان بهذه المفاهيم والأخلاق (أحسب) أولُها التعلم الحقيقي لها تأصيلا وتفصيلا "فاعلم أنه لا إله إلا الله" (محمد: 47)، ثم تعهد النفس وجهادها الذي يجعل تلك الأخلاق سجية وسمة لها ، ومن جهاد هذه النفس إرغامها على النزول على نصح الناصح لها بالكف عن سوء الخلق وكبح جماح نشوزها في ذلك مهما تدثرت أثناءه بالدفاع عن الدين والذب عنه، فهي في الحقيقة تنتصر لشهوتها في السب والشتم والغيبة لأن الدين لا يدفع عنه بمثل ذلك.

إن الصحوة الإسلامية بارتباطها بالإسلام اسماتتحمل مسئولية جسيمة تحتاج خلالها إلى تحقيقه واقعا في أخلاق أبنائها وسلوكهم،وإلا فإن هذا الارتباط يكون عليها غرمه وليس لها غنمه ، وأهل هذه الصحوة أولى الناس بذلك إن أرادوا.