النبي -صلى الله عليه وسلم- وخالد.. وكيف يتعاملُ القائد

  • 113

من وحي السيرة النبوية نستلهم دروسا وعبرا لواقعنا المعاصر، لا سيما قادة العمل الإسلامي في التعامل مع من يولونهم المسئوليات، ولما لا والنبيصلى الله عليه وسلم أسوتنا وقائدنا جميعا، ونحن مأمورون باتباعه في كل شاردة وواردة؟!

ومن هذه الدروس تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع هذا الخطأ من خالد رضي الله عنه في القصة المشهورة لما بعثه أميرا على سرية إلى بني جَذِيمَة، فلما بلغ النبي صلى الله أمره قال كما ورد في "صحيح البخاري" : "اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد".

قال ابن حجر رحمه الله تعالى في "فتح الباري" : (وحاصله أن خالد بن الوليد غزا بأمر النبي صلى الله عليه وسلم قوما، فقالوا: "صبأنا"، وأرادوا "أسلمنا"، فلم يقبل خالد ذلك منهم وقتلهم بناء على ظاهر اللفظ، فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم ذلك فأنكره؛ فدل على أنه يكتفى من كل قوم بما يعرف من لغتهم، وقد عذر النبي صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد في اجتهاده.

وللقصة فوائد عظيمة منها:

1- لابد للقائد أن يتبرأ من الفعل الخطأ؛ حتى لا يُنسب إليه إقراره به أو رضاه عنه.

2- تبرؤ القائد يكون من خطأ الفعل لا من الفاعل نفسه.

3- التبرؤ من الفعل لا يلزم منه إثم فاعله إذا كان متأولا واشتبه عليه الأمر فاجتهد أخطأ، قال ابن بطال في "شرح البخاري" : (والذي يظهر أن التبرؤ من الفعل لا يستلزم إثم فاعله ولا إلزامه الغرامة؛ فإن إثم المخطئ مرفوع وإن كان فعله ليس بمحمود)، أما إذا كان متعمدا فلابد أن يتوب من خطئه.

4- تحمل القائد لخطأ من ولاه؛ إذ تحمل النبي صلى الله عليه وسلم ديات القومحيث نقل ابن حجر عن الخطابي في "الفتح" كذلك: (ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا فقال: أخرج إلى هؤلاء القوم واجعل أمر الجاهلية تحت قدميك، فخرج حتى جاءهم ومعه مال فلم يبق لهم أحد إلا وَدَاهُ "أي: قضى ديته").

5- جواز تولية المناصب لمن يخطيء سواء باجتهاد أو بهوى أحيانا، إذا كان أهلا لها وأحق بها من غيره؛ لأن بعث خالد الذي حدث فيه الخطأ كان بعد الفتح سنة ثماني هجرية، قال صاحب "الفتح" :(وهذا البعث كان عقب فتح مكة في شوال قبل الخروج إلى حنين عند جميع أهل المغازي)، ومع ذلك ذكر ابن الأثير في "أُسد الغابة" أنه : (كان على مقدمة رسول الله صلى الله عليه وسلم "يوم حنين" في بني سليم، وأرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم "سنة عشر" إلى بني الحارث بن كعب بن مذحج، ثم إن أبا بكر أمره بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم على قتال المرتدين)، أي أن النبي صلى الله عليه وسلم ولاه بعد ذلك، وولاه أبو بكر رضي الله عنه من بعده.

قال ابن تيمية رحمه الله: (كان النبي صلى الله عليه وسلم، يستعمل خالد بن الوليد على الحرب مع أنه أحيانا كان قد يعمل ما ينكره النبي صلى الله عليه وسلم،وهكذا أبوبكر خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنه مازال يستعمل خالدا في حرب أهل الردة، وفي فتوح العراق والشام وبدت منه هفوات كان له فيها تأويل، وقد ذُكر له عنه أنه كان له فيها هوى، فلم يعزله من أجلها، بل عاتبه عليها؛ لرجحان المصلحة على المفسدة في بقائه، وأن غيره لم يكن يقوم مقامه) ا.هـ (بتصرف من كتاب "السياسة الشرعية").