الانتخابات الرئاسية ... من يفوز؟

  • 165

حظيت الانتخابات الرئاسية القادمة باهتمام مبكر حتى ما قبل إقرار التعديلات الدستورية الأخيرة التي وضعت الضوابط والقواعد المنظمة لهذه العملية، ربما يرجع ذلك إلى طبيعة موقع الرئيس في بنية النظام السياسي من جانب، إضافة إلى محورية هذا المنصب في الثقافة السياسية لدى المصريين من جانب آخر. ورغم تعدد الكتابات والدراسات والتقارير التي تناولت مختلف أبعاد العملية الانتخابية دستوريًا وقانونيًا وسياسيًا واقتصاديًا وأمنيًا، إلا أن معظمها لم تقدم للناخب رؤية علمية تساعده في عملية التصويت، بما جعل الأغلبية تتجه بأصواتها تجاه هذا المرشح أو ذاك دون أن تكون لديها قناعات حقيقية أو قرارات مبنية على أسس علمية تحسم الاختيار دون الوقوع في فخ الرئيس الضرورة أو الاستجابة لدعوة عاصري الليمون. فإذا كان صحيحا أن اللحظة الراهنة التي تمر بها مصر اليوم تواجه العديد من التحديات التي تفرض على من يتولى دفة الحكم أن يكون لديه من الخبرات والمهارات والرؤى والأفكار ما تساعده على مواجهتها والحد من مخاطرها سواء أكانت على المستوى الداخلي أم الخارجي، إلا أنه من الصحيح أيضا أن مدى توافر هذه المتطلبات يظل مرهونا في جزء منه بما يتمتع به المرشح من سمات شخصية، فضلا عن مدى قناعته بشعارات الثورة المصرية بموجتيها الأولى والثانية.

وعلى هذا، يمكن القول إن التمعن في خريطة المرشحين للرئاسة وإن لم تكتمل حتى الآن مع استمرار فتح باب الترشح إلى العشرين من أبريل القادم، تكشف عن أن المرشحين الأقرب إلى المنصب وإن ظل الفارق بينهما متسعا هما المشير عبد الفتاح السيسي والسيد حمدين صباحي. وهو ما يجعل البعض يرى في حصر المنافسة بين مرشحين اثنين أمر قد يضر بالعملية الديمقراطية التي تتطلب فتح المجال أمام عدد أكبر من المرشحين بما يشعل المعركة الانتخابية ويزيد من حدة المنافسة بينهم. ولكن، الحقيقة أن هذا الأمر إذا كان مقبولا أو على الأقل مطلوبا في الانتخابات البرلمانية والمحلية إلا أنه من غير المفضل في الانتخابات الرئاسية، فالنظر إلى مختلف الديمقراطيات الراسخة بل والحديثة أيضا نجد أن المنافسة على هذه المناصب الرفيعة تكاد تنحصر في متنافسين كما يحدث في الانتخابات الأمريكية والبريطانية. إلا إن هذه القضية ليست هي لب المشكلة وجوهرها المتمثل في الإجابة على سؤال كيف يمكن للناخب أن يختار بين المرشحين؟ بما يجيب معه على سؤال آخر من الفائز في تلك الانتخابات؟ فكثير من الكتابات طالبت المرشحين بتقديم برامجهم الانتخابية للمواطنين لقراءتها ودراستها بتمعن وتدقيق، حتى يمكن للناخب أن يختار من بينها، وأن المرشح الذي يقدم برنامجا متميزا هو الذي يحظى بالتأييد من جانب هؤلاء الناخبين بما يضمن له الفوز.

والحقيقة أنه على الرغم من أهمية هذا الشرط الذي يعد جوهريا – كما يرى الكثيرون- إلا أنه لا يحسم المعركة لصالح من يملك برنامجا انتخابيا متميزا سواء في شعاراته أو في مضمونه، وذلك لأنه في كثير من الحالات إن لم يكن كلها لا يتولى المرشح بذاته وضع برنامجه وإنما يتولى وضعه مجموعة من الخبراء المتخصصين وهذا أمر محمود إلا أنه قد يؤدى في كثير من الحالات إلى تضمين هذا البرنامج لرؤى وأفكار واستراتيجيات متميزة وربما تحمل كثير من الطموحات التي لا تتعامل مع الواقع بمشكلاته وقضاياه، وهو ما يخلق فجوة فعلية بين طموحات خاطبت قلوب الناخبين ومشاعرهم وبين إمكانات وقدرات وموارد محدودة عاجزة عن تحقيق هذه الطموحات، ولعل النموذج الذي قدمته جماعة الإخوان في الانتخابات الرئاسية التي جرت عام 2012 بما رفعته من شعارات وما أطلقته من وعود كشفت الممارسة الواقعية عن وهميتها وعدم واقعيتها، بدءا من شعار "نحمل الخير لمصر" مرورا "ببرنامج المائة يوم" وصولا إلى فشلها الذريع في التعامل مع مشكلات المجتمع بسبب سياستها التي انحازت إلى الجماعة على حساب الدولة والمجتمع.

وعلى هذا، فإذا كان من المنطقي أن يقدم كل مرشح برنامجًا انتخابيًا يعكس رؤيته وفكره وإستراتيجيته لإدارة الدولة في المرحلة المقبلة، إلا أنه من المنطقي أيضًا أن يظل الحكم على أداءه وإدارته السابقة مؤشرًا مهمًا على مدى كفاءته وخبرته العملية، فهذا الحكم هو المعيار الرئيسي والأساسي في اختيار هذا المرشح أو ذاك. ماذا يعنى ذلك بالنسبة للانتخابات القادمة؟ يعنى أن ما يثيره البعض بشأن الخلفية التي يأتي منها الرئيس سواء أكانت خلفية عسكرية أم مدنية أم دينية أم علمية، لا تمثل ترجيحا لهذا الطرف أو ذاك. وإنما تظل هذه الخلفية معيارا يتعلق بالمعرفة والإطلاع على قدرات المرشح وخبراته وكفاءته وما يحمله من رؤى وأفكار قادرة على التعامل مع مشكلات الواقع المستعصية والمعقدة والمتشابكة، وذلك كله بعيدًا عن رفع شعارات جوفاء أو ترديد مقولات فارغة لا تحمل أية دلالات أو مرجعيات عملية بقدر ما تحاول أن تخاطب مشاعر الناخبين وقلوبهم دون أن تناقش عقولهم أو تحاورهم بمنطقية الواقع وكيفية التعامل معه.

خلاصة القول: إن الفائز في الانتخابات الرئاسية القادمة هو من يملك خبرات فعلية في إدارة أزمات واقعية، ولديه برامج عملية قادرة على التعامل مع المشكلات والأزمات، ويحمل رؤى وأفكار تعكس شعارات الثورة المصرية بموجتيها الأولى والتصحيحية من عيش – حرية - كرامة إنسانية – عدالة اجتماعية – وحدة وطنية، فهذه هي الشروط الواجب توافرها فيمن يختاره الناخب ويصبح جديرًا بتولي رئاسة الدولة في تلك المرحلة.