العراق في "هدوء حذر" بين التيار الصدري والإطار التنسيقي

استمرار مطالبات حل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة.. والكاظمي يهدد بترك منصبه

العدد الورقي

  • 66
الفتح - العراق


توقعات بتبريد الأزمة والدخول في مفاوضات تحت إشراف إيراني

تقرير – محمد عبادي

هدوء حذر يعيشه العراق عقب أيام من تصعيد غير مسبوق، دفع باتجاه اشتعال الحرب الأهليّة في البلاد بين فصائل الحكم الشيعية، المتمثلة في التيار الصدري، ومكونات الإطار التنسيقي الشيعي الذي يدين بالولاء لإيران

وعاشت بغداد صخبا سياسيًا عنيفًا، عقب اقتحام أنصار الصدر للقصر الجمهوري بالمنطقة الخضراء، مع إعلان مقتدى الصدر زعيم التيار الصدري، اعتزاله العمل السياسي، وغلق المكاتب التابعة لتياره، بعد أشهر من الانسداد السياسي، وتعثر في انتخاب رئيس للجمهورية، وتشكيل حكومة جديدة، إثر تعنت خصوم الصدر من الإطار التنسيقي الموالي لإيران.

وأدت أحداث العنف والاشتباكات بالأسلحة الثقيلة والمتوسطة والخفيفة بين المتظاهرين من عناصر التيار الصدري وميليشيا الحشد داخل المنطقة الخضراء في العاصمة العراقية، إلى وقوع نحو 33 قتيلا ومئات الجرحى.

ما اضطر زعيم التيار الصدري  للتدخل الفوري ومطالبة أنصاره بالانسحاب وإنهاء الاعتصام، مؤكدًا أن البلاد وقعت رهينة الفساد والعنف، مطالبًا الحكومة برعاية أسر الضحايا وصرف التعويضات لهم.

عقب انسحاب أنصار الصدر، أعرب مصطفى الكاظمي رئيس الوزراء العراقي، عن استيائه من التدهور الأمني الذي شهده العراق ووصفه بالواقع المخزي، وفي كلمة متلفزة انتقد الحالة التي يمر بها العراق بسبب التناحر السياسي والخروقات الأمنية من قبل قيادات عسكرية وصفها بغير المنضبطة.

وشدد الكاظمي على ضرورة تنازل القوى السياسية في البلاد مطالبها واشتراطاتها وإطلاق حوار شامل ينهي حالة الانسداد السياسي، محذرًا من أن التناحر بين القوى السياسية على السلطة سيدفعه إلى الإعلان عن خلو منصب رئيس الوزراء حسب المادة 81 من الدستور.

وفي أول رد فعل للإطار التنسيقي الشيعي، دعا قيس الخزعلي أمين عام ميليشيا عصائب أهل الحق، الفصائل المتناحرة لاستكمال الاستحقاقات الدستورية في العراق ولتشكيل الحكومة على أن تبدأ بالقيام بواجباتها بأسرع وقت ممكن.

ووصف الخزعلي اقتحام أنصار الصدر للمنطقة الخضراء، بأنها أسوء ليلة مرت على الفصائل الشيعية منذ ٢٠٠٣، لافتا أن ما جرى يمثل تهديدا للدولة ، وأن من وصفهم بأعداء العراق عملوا على حرب أهلية تهدد السلم المجتمعي.

واتهم الخزعلي رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، بالتقصير في القيام بواجبه، بصفته القائد العام للقوات المسلحة في حفظ الأمن والاستقرار.

ويطالب الصدر بحل البرلمان الحالي، وإجراء انتخابات مبكرة، ولا يقف وحيدًا في هذا المطلب، حيث يطالب تحالف السيادة السنّي بذات المطالب حرصًا على إعادة الاستقرار.

وأكد خميس الخنجر رئيس تحالف السيادة، الكتلة السنيّة الأكبر في البرلمان، دعم أي قرار بحل البرلمان وإعادة الانتخابات، كاشفًا عن مساعٍ مع القوى الوطنية إلى مبادرة عاجلة لوأد الفتنة، مشددًا على ضرورة إمساك القوات المسلحة والمؤسسات الأمنية  بزمام الأمور.

أما الرئيس العراقي برهم صالح، فأكد أن الأحداث التي شهدتها البلاد مؤلمة، وتشير إلى عجز المنظومة السياسية، مشددًا على أنه لا يمكن تفادي الأزمات بالتصريحات فقط، موضحًا أن موقف مقتدى الصدر لوقف العنف كان شجاعًا ومسؤولًا.

وقال الرئيس العراقي إن ما يحدث هو نتيجة أزمة سياسية مستحكمة، لافتًا إلى أن الأزمة ستتفاقم إذا استمر الوضع السياسي بدون إصلاح، موضحًا أن الانتخابات الأخيرة لم تحقق تطلعات العراقيين.

سقف الصراع في العراق محدد بمطالب واضحة ومعقولة: ترتيب الزعامات داخل البيت، ليس هدمه أو إحراقه.

يحظى الصدر بقبول أمريكي، وتفاهمات عميقة مع إيران، مع الإقرار باحتفاظه بهامش مناورة خاص، عن غيره من بقية الفصائل الشيعية الولائية.

حصل التيار الصدري في الانتخابات المبكرة في أكتوبر 2021 على أكبر عدد من المقاعد، ليتحالف مع الديمقراطي الكردي، والسيادة السني، بعيدًا عن الأحلاف التقليدية مع بقية الفصائل الشيعية.

يريد الصدر تشكيل حكومة أغلبية، رشّح لها ابن عمه محمد جعفر الصدر، ويرفض محاولات إيران الدفع في اتجاه حكومة تشاركية مع الإطار التنسيقي الشيعي.

فشل البرلمان العراقي في انتخاب رئيس –يُشترط أغلبية الثلثين-، بسبب تعنت الإطار التنسيقي الشيعي، وهو ما شلّ المشهد السياسي. لا رئيس يعني أنه لا دعوة لتشكيل حكومة.

طالب الصدر بوضوح بعد عرقلة الإطار تنصيب رئيس جديد، يدعو الكتلة الأكبر لتشكيل حكومة، هو حل البرلمان الحالي، وإجراء انتخابات برلمانية مبكرة.

ألقى الصدر حجرًا ثقيلا في المياه الراكدة، بتوجيه كتلته البرلمانية (73 نائبًا) للانسحاب من البرلمان، لإجبار مكونات الإطار على القبول بطلب حل البرلمان

مع تجاهل الإطار التنسيقي لمطالب الصدر، والمضي قدما في تشكيل حكومة، برئاسة محمد شياع السوداني، الموصوف بذيل نوري المالكي، تسارعت خطوات الصدر التصعيدية.

ما بين الصدر والمالكي ثأر قديم، وخصومة قائمة، كانت خطوة الإطار بترشيح السوداني، أشبه براية حمراء لثور. خاصة مع تسريب تسجيلات صوتية لنوري المالكي يتهم فيها الصدر بالجبن والفساد والغوغائية.

اقتحم أنصار الصدر البرلمان العراقي، وجلبوا الدواب والخيل والجمال إلى ساحات المجلس التشريعي. الرسالة واضحة هذا مجلس دواب، ينبغي حلّه. ثم حصار مجلس القضاء والاعتصام بجواره.

محاولة تجريد الصدر من غطائه المرجعي، بعد بيان المرجع كاظم الحائري، بالاعتزال وتوجيه أنصار الصدر من مقلديه، بتقليد آية الله علي خامنئي، واجهت ردًا عاصفًا.

رد الصدر، باعتزال الحياة السياسية، وهي خطوة احتجاجية تقليدية لدى مقتدى الصدر، تماما كما هي خطوة اقتحام البرلمان.

وصل التصعيد إلى مساحة غير مسبوقة، مع اقتحام القصر الجمهوري، واستعداد –سرايا السلام- الجناح المسلح الصدري، للاشتباك المسلح في عدد من المحافظات. رسالة الصدر وصلت، التجاهل ومحاولة قلب الطاولة باستخدام الحائري، قُوبل بالضرب على ذات الطاولة بأقدام ثقيلة.

الأيام المقبلة ستشهد تبريدًا لهذه الأزمة المشتعلة، وطاولة حقيقية للتفاوض، وسيحصل فيها الصدر على مكاسب كبيرة، مع ترضية لفصائل الإطار.

يمكن حل البرلمان الحالي، وإجراء انتخابات جديدة، سيسعى الصدر فيها إلى زيادة عدد مقاعده، وتأكيد فوزه في انتخابات 2021. كما يمكن الذهاب إلى تشكيل حكومة أغلبية بقيادة مصطفى الكاظمي، مع هامش ترضية لفصائل الإطار التنسيقي الشيعي، والتأكيد على تنحية نوري المالكي جانبا.

لا حرب شيعية - شيعية قادمة، لا الصدر ولا إيران ولا أمريكا يرغبون في هدم العملية السياسية القائمة. تلبية مطالب الصدر نسبيًّا أرخص للجميع من خسارة فادحة، لا يُعرف أين يمكن أن تنتهي.