صمود غزاوية

هبة سعيد

  • 54

خرجت من بيتها مظلومة ملاحقة مهجرةً لا تعرف أين تذهب تحت الحصار والقصف معها أطفالٌ صغار وقلبها يرجف، وحين هدم بيتها وأطفالها كانوا ضحايا ومصابين قالت: أحتسبهم شهداء عند رب العالمين.

صاحبة قضية وإيمان وعقيدة، ربّت أبناءها على حلم تحرير الأقصى من يد الغاصبين، قالت: أنتم يا أحبابي أصحاب الحق المبين فلكم إحدى الحسنيين بوعد رب العالمين.

فأي قلب بين ضلوعك تحملين، فهي الأم الودودة الولود، وهي الأخت الصابرة المجاهدة الداعمة، وهي الأسيرة المعتقلة والمهددة، وهي الابنة البارة، والطبيبة المتفوقة، وهي الجدة التي دائماً تقص على أحفادها قصص الصمود لتحيي فيهم العقيدة وتذكرهم بوعد الله لهم بالنصر المبين، ووعد رسوله الكريم "يا مسلم هذا يهودي ورائي تعال اقتله"، وأن الله كتب الغلبة والظهور لدينه ما تعاقبت الأيام والليالي؛ تعلمهم أن فلسطين هي البلدة التي سالت من أجلها العيون، ورخصت في سبيلها المنون؛ فهي أولى القبلتين وثالث الحرمين ومسرى نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- فهي رغم كل ما تلاقي وتعاني مع إخواننا في فلسطين من قطع المياه والكهرباء وقصف الطائرات والمدافع، ورغم كل الألم من هدم بيوت ومساجد، وآلاف الأنفس أزهقت، ومئات النساء ترملت، ومئات الأطفال يتمت وكم من مقابر جماعية أقيمت، بل ومئات النساء مات أطفالها جميعاً تحت الركام جمعتهم أشلاء ممزقة.

أسأل عن هذا القلب بعد كل هذا الألم، والله تعجز الكلمات وتتساقط الحروف بين سنايا السطور عن وصف أعلى درجات الإيمان بالقضاء والقدر فهي الخنساء التي قدمت الأربعة والخمسة من أبنائها في سبيل الله أحياء عند ربهم يرزقون، وهناك خنساوات كثيرات قد ضحت بفلذات الأكباد.

وهذه هي المرأة الفلسطينية، من أين لها كل هذا الصمود والثبات؟، لله درها وعلى الله أجرها، اللهم اربط على قلوبهم، وداوِ جرحاهم وتقبل شهداءهم وارزقهم نصرًا عزيزًا مؤزرًا.