"أحمد فريد": تطهير النفس وتزكيتها بالطاعات أساس التغير المنشود والنجاح والفلاح في الدنيا والآخرة

  • 45
الفتح - الدكتور أحمد فريد مستشار إدارة الدعوة السلفية

قال الدكتور أحمد فريد، مستشار مجلس إدارة الدعوة السلفية: وعى الصحابة -رضي الله عنهم- ما قرره القرآن العظيم، وما طبقه الرسول الأمين -صلى الله عليه وسلم-، مِن أنَّ تطهير النفس وتزكيتها هو أساس التغير المنشود، وأساس النجاح والفلاح في الدنيا والآخرة، قال الله -عز وجل-: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا} [الشمس: 9]، وقال تعالى: {إن اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ‏} [الرعد: 11]، وقال تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا} [النور: 55].

وأضاف "فريد" -في مقال له بعنوان "مِن أخلاق النصر في جيل الصحابة: اهتمامهم بتزكية نفوسهم" نشرته جريدة الفتح-: بل مِن مهمات النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم- تزكية نفوس العباد كما قال تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [الجمعة: 2]، مشيرًا إلى أن النبي كان يُزكِّي نفوسهم بالحكمة والموعظة الحسنة، وبالقدوة الصالحة، قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب: 21].

وتابع: وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقوم مِن الليل حتى تتورم ساقاه، وتفطر قدماه، فتقول له عائشة -رضي الله عنها-: أتفعل ذلك وقد غفر الله لك ما تقدَّم مِن ذنبك وما تأخَّر، فيقول -صلى الله عليه وسلم-: «أفلا أكون عبدًا شكورًا»، وكان يواصل وينهى عن الوصال فيقولون له: إنك تواصل، فيقول -صلى الله عليه وسلم-: «إني لست كهيئتكم، إني أبيت لي مُطعِمٌ يطعمني وساقٍ يسقيني».


بعض الأمثلة على اهتمام الصحابة بتزكية أنفسهم بالطاعات

1- شهادة علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- للصحابة -رضي الله عنهم-: 

قال علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- وقد سلم مِن صلاة الفجر: لقد رأيت أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلم أرَ اليوم شيئًا يشبههم، لقد كانوا يصبحون شعثًا صفرًا غبرًا بين أعينهم أمثال ركب المعزى، قد باتوا سُجَّدًا وقيامًا، يراوحون بين جباههم وأقدامهم، فإذا أصبحوا ذكروا الله تمادوا كما يميد الشجر يوم الريح، وهملت أعينهم بالدموع، حتى تبل ثيابهم، والله فكأني بالقوم باتوا غافلين فما رؤي بعد ذلك ضاحكًا حتى ضربه ابن ملجم.

 

2- شهادة الحسن البصري وهو مِن كبار التابعين:

وقال الحسن البصري -رحمه الله-: أدركت أقوامًا وصحبت طوائف ما كانوا يفرحون بشيء مِن الدنيا أقبل، ولا يأسفون على شيءٍ منها أدبر، ولهي كانت في أعينهم أهون مِن التراب، كان أحدهم يعيش خمسين سنة، أو ستين سنة لم يطوله ثوب، ولم يُنصب له قدر، ولم يجعل بينه وبين الأرض شيئًا، ولا أمر مَن في بيته بصنعة طعام قط، فإذا كان الليل فقيام على أقدامهم يفترشون وجوههم تجري دموعهم على خدودهم يناجون ربهم في فكاك رقابهم، كانوا إذا عملوا الحسنة دأبوا في شكرها، وسألوا الله أن يقبلها، وإذا عملوا السيئة أحزنتهم وسألوا الله أن يغفرها، فلم يزالوا على ذلك، والله ما سلموا مِن الذنوب ولا نجوا إلا بالمغفرة، رحمة الله عليهم ورضوانه.


3- عمر بن الخطاب وقيام الليل:

أخرج مالك والبيهقي عن أسلم قال: كان عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يُصلي مِن الليل ما شاء أن يُصلي حتى إذا كان نصف الليل أيقظ أهله للصلاة، ثم يقول لهم: الصلاة، ويتلو هذه الآية: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ} إلى قوله تعالى: {وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} [طه: 132].