أحكام بعض مسائل النوازل الطبية في الصيام.. تعرف على قول أهل العلم فيها

  • 87
الفتح - فتاوى

النوازل الفقهية من أدق مسائل الفقه؛ لكونها قضايا مستجدة يغلب عليها التعقيد والتداخل، ومن ذلك بعض مسائل الصيام التي لم يسبق فيها نصٌ ولا اجتهادٌ، وتحتاج إلى بيان الحكم الشرعي، وتستدعي اجتهادًا من أهل العلم، يتأصل فيه تقرير الفقهاء المتقدمين، والتكييف الفقهي في ضوء تخريجاتهم.

أولًا- أسئلة متعلقة بالبخاخة:-

عن استعمال بخاخة النفس أثناء الصيام، ورد سؤال:
أعاني من ضيق في الشعب الهوائية، وأقوم باستعمال البخاخة الطبية، فهل يجوز استعمال البخاخة في نهار رمضان؟
وأجاب الدكتور ياسر برهامي، نائب رئيس الدعوة السلفية -في فتوى له عبر موقع "صوت السلف"- قائلًا: البخاخة على الراجح تفطر الصائم، لأنها رذاذ سائل أو حبيبات دقيقة تدخل إلى البلعوم قبل دخولها لمجرى التنفس، ويمكن استخدام الأنواع طويلة المفعول قبل الفجر أو استعمال الحقن أثناء الصيام، أو استعمال نوع من البخاخات لا رذاذ ولا بودرة فيه.

وعن حكم استعمال بخاخة الأنف للصائم، ورد سؤال:
ما حكم بخاخة الأنف؟ وهل هي مثل بخاخة الفم تفطر الصائم؟
وأجاب "برهامي": فالبخاخات التي يدخل رذاذها للحلق تفطـِّر على الراجح؛ سواء مِن الأنف أو الفم، أما لا رذاذ فيه ولا "بودرة"؛ فلا تفطر، مثل بخاخة "سيمبكورت"، فلا يحس بشيء يدخل الحلق منها، فهي مثل الأكسجين لا تفطر.

وعما يلزم مَن كان يأخذ بخاخ الربو في نهار رمضان ظانًّا أنه لا يفطِّر، وردت عدة أسئلة:
السؤال الأول:
علمتُ من موقعكم أن بخاخ الربو يفطر الصائم لوجود حبيبات داخله، لكن ما حكم مَن كان يأخذ بخاخ الربو فيما سبق أثناء الصيام بناءً على ظنه أنه جائز، وخصوصًا وأن هناك مشايخ كثيرين يجيزونه، فهل عليه قضاء أم ماذا يفعل؟
وأجاب "برهامي": فليس على مَن استعملها فيما مضى على أنها جائزة قضاء؛ لأنه عمل بتقليدٍ سائغٍ، وكان يظن أنها لا تفطِّر.

السؤال الثاني:
ما حكم جهاز التنفس الذي يوضع فيه إمبول ويقوم الانسان باستنشاقه لضيق النفس عنده، هل هذا أيضًا يبطل صيامه؟
وأجاب "برهامي": جهاز النفس يُستنشق معه رذاذ، ولا يوجد -على حدِّ علمي- إلا نوع واحد مصنوع بطريقة دقيقة لا يشعر نهائيًّا بوجود رذاذ سائل، ولا حبيبات، بل مثل الغبار في الهواء وأقل، فلا يشعر مَن يأخذه بشيء، وهو: سيمبيكورت (Symbicort)؛ فهذا لا يفطر.

وعن السبب في أن البخاخة تُفطـِّر، ورد سؤال:
لماذا البخاخة تُفطـِّر؟
وأجاب "برهامي": فالبخاخة عبارة عن رذاذ يدخل في الجهاز التنفسي من خلال البلعوم، والبلعوم هو الحلق، جزء منه ضمن الجهاز التنفسي، وجزء منه ضمن الأنف، وجزء منه ضمن الفم، فالثلاثة مشتركة، ولابد أن يمر على هذا البلعوم، وهذا من الجوف، فإذا دخل جوفه هذا الرذاذ فقد أفطر، لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً) [رواه أبو داود، وصححه الألباني]، موضحاً أن الماء يدخل إلى البلعوم الأنفي، والرذاذ يدخل من خلال البلعوم الفمي؛ لذلك نقول: إنه ليس هواءً فقط، بل هو رذاذ مادة سائلة تكون موجودة في البخاخة قلَّتْ أو كَثُرَتْ، وهو يتعمد أخذها بالفم. إلا إن كان نوعا من البخاخات لا رذاذ ولا بودرة فيه.



ثانيًا- أسئلة متعلقة بالقطرة:-

وعن قطرة العين للصائم، ورد سؤال:
أمي خضعت لعملية زرع القرنية، وهي الآن تتابع العلاج، وسؤالي هو: هل النقط التي تستعمل في عينها لها تأثير على صيامها في رمضان؟
وأجاب "برهامي": فإذا وجدت طعم القطرة في حلْقها؛ فقد أفطرت على الراجح مِن أقوال العلماء؛ لأن العين طبيًا منفذ للأنف، والأنف: شرعًا وطبًا منفذ للجوف؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (وَبَالِغْ فِي الاِسْتِنْشَاقِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ صَائِمًا) [رواه أبو داود والترمذي، وصححه الألباني].

وعن وضع النقط في الأنف، ورد سؤال:
وضع النقط في الأنف تفطر أم لا؟
وأجاب "برهامي": فإذا وجد طعمه في الحلق أفطر؛ لأن الأنف معتبر كمدخل طبيعي؛ إذ قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (وَبَالِغْ فِى الاِسْتِنْشَاقِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ صَائِمًا) [رواه أبو داود، وصححه الألباني]، فدل ذلك على أن الأنف مدخل للجوف، فإذا وضع نقط الأنف في أنفه فوجد طعمها في حلقه فقد دخلت، فعند ذلك يكون قد أفطر، والعين في الحقيقة ثبت طبياً أنها مدخل للأنف، فعاد تقطير القطرة في العين عاد تقطيراً في الأنف، فإذا وجد الطعم أو اللون في الحلق فقد أفطر، أما إذا كان محتاجاً ولا يريد أن يفطر أنا أنصح أن يضع الدواء على قطنة ثم يضعها في أنفه فهذا لن يفطره؛ لأن بهذا الوضع القائم لن يصل الدواء إلى الحلق، ولكن سيمتص الغشاء المخاطي المبطن لجدار الأنف فينتفع بالدواء دون حاجة إلى التقطير في الأنف.
وأضاف: أما استعمال أدوية ضيق التنفس "البخاخة" ففيها قولان للعلماء، والصحيح عندي أنها تفطر لأنها رذاذ يدخل إلى الحلق وهو من الجوف.

وعن حكم صيام مَن وضع القطرة قبْل الفجر ثم وجد طعمها في حلقه بعد الأذان، ورد هذا السؤال:
امرأة أخذت قطرة قبْل أذان الفجر بربع ساعة، وبعد الأذان بنصف ساعة وجدت طعمها في حلقها، فهل عليها قضاء ذلك اليوم؛ لأن البعض قال بأن أخذها للقطرة قبْل الفجر فعل مباح؛ لأنه كان قبل الإمساك الشرعي فلا يضرها إن وجدت طعمها في الحلق. والبعض قال: بل العبرة بوجود الطعم بعد الفجر الصادق، وهي قد وجدته في حلقها، فهي بذلك مفطرة. فما الراجح في ذلك يا شيخ؟
وأجاب "برهامي": فطالما كانت أخذت القطرة قبْل الفجر؛ فليس عليها القضاء، وصومها صحيح.



ثالثًا- أسئلة متعلقة بالحقن:-

وعن حقن الأنسولين للصائم، ورد عدة أسئلة:
السؤال الأول:
هل يجوز صيام شهر رمضان مع حقن الأنسولين أو هل يجوز للصائم أن يصوم مع أخذ حقن الأنسولين بالنهار؟
وأجاب "برهامي": نعم يجوز، لأن الحقن -ومنها حقن الأنسولين- لا تفطر.

السؤال الثاني:
كانت أمي قبل رمضان صائمة وبعد الأذان تقيأت وأحست بحموضة في حنجرتها نتيجة القيء، وكأن هناك شيئًا عالقًا في الحنجرة فشربت قليلاً من الماء وقليلاً من العسل ثم أكملت صيامها إلى المغرب فماذا عليها؟
وأجاب "برهامي": فإذا كان هذا بعد أذان الفجر الصادق فقد أفطرتْ للشرب، وإذا كان هذا صومًا واجبًا وجب قضاؤه.

وعن حكم الحقن واستعمال جهاز الأكسجين للصائم، ورد عدة أسئلة:
السؤال الأول:
 تعبت في أحد أيام رمضان فوضعوا لي تنفس أكسجين، فقال لي أحدهم: إني أفطرت وأن هذا كالبخاخة، وليس مجرد غاز أو هواء. فهل هذا صحيح؟
وأجاب "برهامي": فالأكسجين فقط غاز لا يفطر، وأما التنفس المتضمن رذاذًا سائلاً أو صلبًا "بودرة" كالبخاخة؛ فهو يفطر.

السؤال الثاني:
 ما حكم الحقن والإبر بكل أنواعها في رمضان؟
وأجاب "برهامي": الحقن لا تفطر على الراجح.

وعن حكم أخذ الحقنة الشرجية للصائم، ورد سؤال:
والدتي مريضة بالإمساك وكانت لا تدخل الحمام إلا بعد أخذ ملينات وأدوية أخرى، والطبيب في قريتنا وصف لها وصفة مثل الحقنة الشرجية وهي إدخال الماء في فتحة الشرج لتسهيل عملية الإخراج، فهل هذا الفعل يفطر صاحبه إذا كان صائماً أم لا؟ حيث أنها سمعت أحد المشايخ يقولون بأن الحقنة الشرجية تفطِر وأي شيء يدخل من فتحة الشرج يفطر.
وأجاب "برهامي": أصح قولي العلماء أن الحقنة الشرجية لا تفطر الصائم، لأن الأصل صحة الصيام حتى يأتي دليل على بطلانه، ولا دليل على الحقنة الشرجية أو نحوها.
وأضاف: والقياس على التناول من الفم قياس مع الفارق لاختلاف المدخل وانتفاء الشهوة، وقد قال -تعالى- في الحديث القدسي: "يَتْرُكُ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَشَهْوَتَهُ مِنْ أَجْلِي" متفق عليه، ولا يقال لمن استعمل الحقنة الشرجية أكل أو شرب.

وعن محلول الملح الوريدي للصائم، ورد هذا السؤال:
هل أخْذ محلول الملح في نهار رمضان يفطر الصائم أم لا؟
وأجاب "برهامي": فالراجح أن تناول المحاليل بالحقن في الوريد لا يفطر الصائم؛ لأن السوائل تدخل من غير المنفذ المعتاد.


وعن حكم عملية منظار المعدة للصائم، والبنج عن طريق الرش في الفم، ورد هذا السؤال:
أجريتُ عملية منظار، فما هو حكم بنج الرش في الفم للصائمة التي أجرت عملية منظار، وهي تستطيع الصيام، ولكنها وجدت تنميل في فمها، وأثر البنج في الحلق، ولكنها على شك إن كان هذا بالفعل أثر البنج أم لا؟  
وأجاب "برهامي": فالمنظار مِن خلال الفم في ذاته يتضمن دخول أنبوب المنظار للجوف؛ فهي مفطرة لذلك، وليس للبنج الرش.

وعن استعمال اللبوس المضاد للالتهابات في نهار رمضان، ورد هذا السؤال:
ما حكم استعمال اللبوس المضاد للالتهابات في نهار رمضان، وهل يصبح الإنسان مفطرًا باستعماله؟
وأجاب "برهامي": فالمسألة اجتهادية وفيها خلاف بين أهل العلم في هل الشرج والمهبل من مداخل الجوف التي لو دخل منها شيء إلى الجوف أفطرت أم لا؟ والصحيح أنه لا يفطر إلا مدخل الفم، والأنف؛ لأنه متصل به، والعين طبيًا منفذ للأنف، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (وَبَالِغْ فِي الاسْتِنْشَاقِ، إِلا أَنْ تَكُونَ صَائِمًا) [رواه أبو داود والترمذي، وصححه الألباني]. وكذا إذا دخل من الأذن إلى الحلق؛ فلا تفطر باستعمال هذا اللبوس.