أمة واحدة

راندا قطب

  • 46

سليمان الحلبي شاب سوري يدرس بالأزهر في الرابعة والعشرين من عمره أقض مضجعه جرائم الحملة الفرنسية على مصر فتخفي في هيئة شحاذ وتسلل إلى حديقة قصر كليبر في الأزبكية فقتله بالخنجر ثم طعن مساعده وبعض الحراس وتمكن مع هذا من الفرار من بينهم كالأسد حتى أمسكوا به في حديقة مجاورة ومعه الخنجر، حاكموه وعذبوه وحكموا عليه بإحراق يده التي طعن بها كليبر أولا، ثم وُضع على الخازوق لتتمزق أحشاؤه قطعة قطعة وبعد ٤ ساعات من الألم الرهيب أشفق جندي فرنسي عليه فأعطاه خلسة كأسًا ليعجل بموته وكان آخر ما نطق به الشهادتين.

ضنت عليه حكومة فرنسا المتحضرة (عاصمة النور) بالحق الإنساني في الدفن وما زالت جثته حتى الآن في متحف فرنسا وجمجمته في بلورة زجاجية مكتوب عليها جمجمة مجرم... وخنجره في متحف الفنون الجميلة في باريس ولعل هذا الأمر الوحيد الذي وُفقوا فيه.

جاء سليمان من سوريا إلى القدس ثم إلى مصر من خلال القطار الذي كان يربط الدول العربية ببعضها والذي أرسلت إنجلترا جاسوسها المسمى لورانس العرب خصيصا كي يفجره ويقنع العرب بالانفصال لدويلات وقد كان، وتم عمل اتفاقية سايكس بيكو لتمزيق الأمة الإسلامية، ثم وعد بلفور، فتشرذمنا وبعد مسمى مسلم عربي أصبح لدينا لبناني بحريني كويتي مصري سوري وليبي.. ما استطعنا بعدها أن نعبر الحدود أو أن نصلي في القدس أو نحج ونعتمر وأن نزور دمشق أو نشرب من نيل السودان بغير فيزا وجواز سفر في الوقت الذي تناست فيه أوروبا خلافاتها التاريخية وصنعوا اتحادًا أورربياً بعملة موحدة تنتقل بين بلدانه بكل حرية..

وزرعوا بيننا قوميات بغيضة لا تسمن ولا تغني من جوع، علّموا الأخ المسلم كيف يضن على أخيه المسلم بضيافة، بمساندة في أزمة أو حرب ونقول لهم امشوا هذه ليست بلدكم.. وخيراتنا وثرواتنا... وكأنهم يتسولون ولا يأكلون من عرق جبينهم في أرض الله التي ما قُسِّمت إلا على يد الاحتلال..

ونسينا أنهم علمونا في كتب التاريخ يوماً أن مقتل كليبر على يد سليمان (الحلبي) أحد أهم أسباب انسحاب الحملة الفرنسية عن (مصر).