قضيتي

أمل السلاحجي

  • 28


أمام شاشة التلفاز جلست فاطمة بجوار جدتها ومعهما حلا تتابعان نشرة الأخبار وأعينهما تفيض بالدمع مما يريانه من قصف وقتل ودمار في أرض فلسطين الحبيبة، وما يفعله اليهود من تخريب واعتداءات مستمرة، ولسان الجدة يلهج بالدعاء، سألتها حلا من بين دموعها المنهمرة: لماذا يا جدتي؟ أغلقت الجدة التلفاز بعدما انتبهت لحالة حلا ثم سألتها: ما قصدك يا حلا؟! قالت «حلا»: لماذا يحدث للفلسطينيين هذا وهم قوم مسالمون؟ ولماذا لا ينتقم الله من اليهود مع ما يفعلونه من جرائم؟

قالت الجدة: اعلمي حبيبتي أن الله سبحانه وتعالى هو القادر القوي  سبحانه يقول للشيء كن فيكون، وقد قدر ما قدر بحكمة بالغة، وجعل الصراع بين الحق والباطل منذ خلق آدم إلى قيام الساعة ليختبر عباده بالثبات على الحق  ويصطفي منهم شهداء قال تعالى: "إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ".

فقد ينتصر الحق أحيانًا، أو يتأخر النصر أحيانًا أخرى ليظهر ثبات المؤمن وصبره، قال تعالى: "أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ".

قالت فاطمة: ذكر في الآيتين قوله تعالى «ليعلم الله» فما المقصود منها ونحن نعلم أن عِلم الله أزلي وهو صفة من صفاته سبحانه بلا ابتداء؟ أجابت «الجدة»: سؤال جيد يا «فاطمة».. علم الله بالفعل صفة أزلية له وهو عالم الغيب والشهادة، يعلم ما كان وما يكون وما سيكون ولكن من عدله سبحانه أنه لن يحاسبنا على ما سبق في علمه، بل يحاسبنا على ما ظهر ووقع من أفعالنا والتي سبق بها علمه فيكون مقصود العلم هنا علم الظهور أو علم الشهادة.

قالت «حلا»: لكني أتألم بشدة يا جدتي لحال الشهداء لا سيما أن معظمهم أطفال .ردت «الجدة»: نعم يا «حلا» كلنا نتألم لأنهم إخواننا وأبناؤنا فالمسلمون إخوة كالجسد الواحد، لكن قد يعزينا في ذلك المصاب أن نعلم أن الشهيد لا يشعر بألم القتل إلا كما نشعر نحن بالقرصة كما أخبرنا نبينا صلى الله عليه وسلم.

قالت «فاطمة»: من أين  جاء هؤلاء اليهود يا جدتي؟!

تنهدت« الجدة» وقالت: كانوا مشتتين في بقاع الأرض يا «فاطمة» تلفظهم الدول لأفعالهم القبيحة وسعيهم الخبيث حتى وطنتهم «بريطانيا» في فلسطين بوعد رئيس وزرائها وقتها «بلفور» وهو وعد من لا يملك لمن لا يستحق، وبالفعل جاءوا لأرض فلسطين الحبيبة مجموعات صغيرة أولا ثم زادوا واستولوا على قطع من الأراضي زادت بعدها حتى استولوا على معظم أرض فلسطين.

قالت «فاطمة»: يقال إن الفلسطينيين هم من باعوا أرضهمردت «الجدة» سريعًا: ادعاء كاذب ككل كذبات اليهود فهم قوم بهت، فعندما جاءوا أرض فلسطين مجموعات صغيرة لم تظهر  للفلسطينيين نواياهم الخبيثة بعد، فقد يكونوا اشتروا بعض الأراضي القليلة.. لكنهم بعدها سارعوا في اغتصاب الباقي وما زالوا إلى الآن يقتطعون يوميًا من أرض فلسطين لبناء مستوطناتهم.. ولعل ما يمتلكه الفلسطينيون الذين هُجِّروا قديمًا من بيوتهم من مفاتيح تلك البيوت دليلًا على كذب ادعاء البيع، فمن يبيع لا يحتفظ بالمفتاح!

قالت «حلا»: أريد أن أساعد الفلسطينيين في قضيتهم يا جدتي، قالت« الجدة»: هي ليست قضية الفلسطينيين وحدهم يا «حلا» بل قضية كل مسلم فأرض فلسطين هي أرض مسلمة فتحها عمر بن الخطاب رضي الله  عنه فيها، المسجد الأقصى وهو أولى القبلتين، ومسرى نبينا صلى الله عليه وسلم، وأحد المساجد الثلاثة التي تشد إليها الرحال، والصلاة فيه بخمسمائة صلاة في غيره. قالت «فاطمة»: ما الذي يمكننا تقديمه لهم يا جدتي؟ قالت«الجدة»: الكثير.. فعلى مستوى الدول يحب على كل الدول العربية والمسلمة مساندتهم ودعمهم كل بحسب قدرته، وعلى مستوى الأفراد فبالدعاء لهم، والوعي بقضيتهم، ومقاطعة أعدائهم إن كانت المصلحة في ذلك، وجمع المساعدات وإيصالها لهم.. وقبل كل ذلك بالرجوع إلى الله والتوبة إليه فنصر الله قريب، وعده عباده المؤمنين..

ما انتهت «الجدة» من كلامها حتى أذن المؤذن لصلاة الظهر فقالت: ها هو وقت لإجابة الدعوة فيها لنردد الأذان وندعو الله بالنصر لعباده المؤمنين ولنصل الصلاة على وقتها