عاجل

تاريخ انتشار الإسلام في روسيا وأحوال المسلمين تحت الحكم القيصري والشيوعي

  • 92
الفتح - الإسلام في روسيا أرشيفية

عند التطرق إلى كلمة أو مصطلح "الأقلية" يتبادر إلينا مباشرة الكلمة أو المصطلح المضاد أو النقيض وهو "الأغلبية" أو مصطلح "الكثرة" لفهم مدلول الكلام عن "الأقلية" مطلقًا، لكن الكلمة أو المصطلح قد يأخذ عدة تفاسير ومعاني، بل ووظائف -كما يقول علماء اللغة- مختلفة تارة، ومتباينة تارة أخرى، لذا فكلمة أو مصطلح الأقلية تختلف معانيه حسب التداول ووظائفه.


مفهوم الأقليات

وتشير الأقلية إلى جماعة تعيش بين جماعة أكبر، وتكون مجتمعًا تربطه ملامح تميزه عن المحيط الاجتماعي حوله، وقد تعتبر مجتمعًا يعاني من تسلط مجموعة تتمتع بمنزلة اجتماعية أعلى وامتيازات أعظم تهدف إلى حرمان الأقلية من ممارسة كاملة لمختلف صنوف الأنشطة اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية، بل تجعل لهم دورًا محدودًا في مجتمع الأغلبية، وتختلف الأقليات من حيث العدد والمنزلة اجتماعيًا، ومدى تأثيرها في مجتمع الأكثرية، ومهما كانت هذه المنزلة، فمجتمع الأكثرية، ينظر إليهم على أنهم "غرباء" عنه، أو شائبة تشكل عضوًا شاذًا في كيانه، وقد بلغ الأمر إلى حد العزل الكلي لجماعات الأقلية؛ إذ نجد أن لجماعات الأقلية أحياء خاصة بهم، بل ومؤسسات خدمية مختلفة كما في دول أوروبا الشرقية.


أعداد المسلمين في أوروبا الشرقية

وجاء في كتاب الموسوعة الجغرافية للعالم الإسلامي (الأقليات المسلمة في العالم)، والذي أشار فيه الكاتب إلى الأقليات المسلمة في دول أوروبا الشرقية، أنه عدد سكان دول أوروبا الشرقية يقدر حوالي أكثر من 211 مليون نسمة، في حين يبلغ عدد المسلمين نحو 27 مليون نسمة أي ما يعادل 13٪ من سكان المنطقة.


أعداد المسلمين في روسيا

ويعد الإسلام هو ثاني أكبر ديانة في روسيا، وفي عام 2010 بلغ عدد المسلمين ما يقارب 16,379,000 مليون (11.7% من المجموع الكلي للسكان)، ويتوقع أن يبلغ عدد المسلمين في عام 2030 ما يقارب 18,556,000 مليون (14.4% من مجموع السكان الكلي). والإسلام معترف به بموجب القانون الروسي ومن قِبل القيادات السياسية باعتباره واحدًا من الديانات الرسمية في روسيا، وهو جزء من التراث التاريخي الروسي.


تاريخ الإسلام في روسيا

ووصل الإسلام إلى أجزاء مما يعرف الآن بروسيا الاتحادية في وقت مبكر من التاريخ الإسلامي؛ إذ بلغ بلاد ما وراء القوقاز الشرقي وآسيا الوسطى في عهد الخلفاء الراشدين في خلافة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- فقد شمل الفتح الإسلامي أذربيحان عام 81هـ وتوغل المسلمون في داغستان عامي 22 هـ و32 هـ، وفتحت الجيوش الإسلامية باب الأبواب (دربند)، وهي كازاخستان الآن عام 23 هـ، ثم تراجعوا عنها مؤقتا، وفتحوها مرة أخرى عام 83 هـ، وبهذا تم فتح جميع بلاد القوقاز وانتشر فيها الإسلام بسرعة كبيرة.

كما توغل المسلمون في آسيا الوسطى في منتصف القرن السابع الميلادي وسط صراع بين "الزرادشتية" و"المانوية" و"النصرانية"، فسيطروا على باكو عام 65 هـ وفتحوا خلال عشرة أعوام بين (86 : 96 هـ) المنطقة الواقعة جنوبي داريا؛ إذ تحولت كلها إلى الإسلام، ولم يتوقف انتشار الإسلام بشكل نهائي حتى عندما قضى المغول على الخلافة الإسلامية خلال القرن الرابع عشر الميلادي وسيطروا على مناطق شاسعة من البلاد الإسلامية، وذلك أن الإسلام بدأ ينتشر في صفوفهم وأسلم ملكهم بركة خان ولقب نفسه بالملك السعيد، مما أعطى دفعًا جديدًا للإسلام، فوصل إلى القرم وصحاري روسيا الجنوبية شمال البحر الأسود وبحر قزوين وحتى سيبيريا الغربية.

وفي أواخر القرن الخامس عشر الميلادي دخل في الإسلام معظم شعوب البلقان والقرتشاي والقباردين والشركس الشرقيون، وقد أصبحت معظم المناطق الروسية تحت السيطرة الإسلامية بما في ذلك موسكو، التي حكمها المسلمون التتار نحو 240 عامًا ولم يخرجوا منها إلا في عام 845 هـ (البار: 1403 هـ).

وأصيب الوجود الإسلامي في روسيا بنكسة عندما بدأ التوسع الروسي على حساب الممالك الإسلامية، فكان هذا التوسع في عهد إيفان الرهيب عام 960 هـ/ 1552 م؛ إذ احتل خانية قازان الإسلامية التتارية وتلتها بقية الدويلات. وفي غضون ثلاثين سنة سقط نهر القولجا ومناطق البشكير بعد اختراق جبال الأورال والوصول إلى شواطئ بحر قزوين الشمالية. كما احتلت روسيا سيبيريا الغربية عام 988 هـ. ولم ينته القرن السادس عشر الميلادي إلا وقد وصل الروس إلى شمال القوقاز في الشيشان وقبارديا. وقد تمكن المسلمون من إيقاف الزحف الروسي في نهاية القرن السادس عشر الميلادي.

ومع بداية القرن السابع عشر الميلادي أصبحت بلاد الأوسيت وغوريا في جنوبي جورجيا وهى ما يعرف الآن باسم "أجارديا" تحت السيطرة الإسلامية، وقد استمر الإسلام في التوسع خصوصًا خلال حكم الإمبراطورة كاثرين الثانية في منتصف القرن الثامن عشر الميلادي؛ إذ سمحت ببناء المساجد والدعوة الإسلامية، وخلال هذه الفترة، قوي وجود الإسلام في بشكيرستان وسيبيريا الغربية وسهول قازاخ والشيشان، وفي مطلع القرن العشرين الميلادي حدثت المرحلة الأخيرة من انتشار الإسلام في روسيا، وقد بدأت هذه المرحلة في عام 1324 هـ / 1905 م، عندما أعلنت الحريات الدينية في روسيا، فاستفاد المسلمون من ذلك استفادة واضحة، ولكنها انتهت في عام 1348 هـ / 1928 م، عندما بدأت الحكومة السوفيتية حملة اضطهاد العلماء ومنع الكتب الإسلامية والسعي الحثيث للقضاء على معالم الإسلام وأفكاره وشخصياته وقد استمرت هذه الحملة حتى سقوط الاتحاد السوفيتي في بداية التسعينيات الميلادية من القرن العشرين.


المسلمون تحت الإدارة الروسية

عاش المسلمون حقبة تعيسة من تاريخهم تحت الحكم الروسي سواء كان القيصري أو الشيوعي، ولكن معاناة المسلمين تحت الحكم الشيوعي فاقت كل تصور في قسوتها وأنواع الاضطهاد والظلم الذي وقع عليهم، وقد تمثل هذا الظلم في مظاهر عدة، شملت إغلاق المدارس والمساجد وتدمير المؤسسات الثقافية، بل ومنع الناس من أداء شعائر دينهم وممارسة حقوقهم الطبيعية التي كفلتها لهم كافة الأنظمة السماوية والوضعية.

ومارس الشيوعيون سياسة تمزيق وحدة المسلمين من خلال الترحيل القسري لأعداد كبيرة منهم من مناطق تجمعاتهم وإرسالهم إلى مناطق نائية وإحلال روس محلهم. وقد ترتب على ذلك الكثير من المآسي، منها: تشتيت الأسرة الواحدة والاستيلاء على الممتلكات وإعطائها للروس الذين يحضرون لمناطق المسلمين لإحداث خلخلة سكانية.

ورغم هذه السياسة التي تهدف إلى تمزيق الوحدة العرقية والدينية للمسلمين، فقد بقيت معظم الشعوب الإسلامية في مواطنها التاريخية. فمثلا ما زال يعيش 93٪ من التركمان في تركمانيا، و93٪ من القبرط في قبرطة، و83.2٪ من البلقار في قباردين بلقار. كما أن شعوب الأفاريين 82.5% والقوميك 82.2% واللاك 77.6% والدرع 68% يعيشون في داغستان. وكذلك يعيش 83% من القرتشاي و76.9% من الشركس في قرتشاي بشركس.

وأما البشكير، فقد قلت نسبتهم في بكشيرستان 59.6% على أن أكثر من تعرض للشتات هم الشعب التتاري؛ إذ لم يبق منهم في تتارستان سوى 26.6% والباقي وزعوا في مختلف أنحاء روسيا وآسيا الوسطى.

جدير بالذكر أن أكبر القوميات الإسلامية في روسيا هي القومية الكازاخية التي يبلغ إجمالي تعداد أفرادها أكثر من تسعة ملايين نسمة، وهم العرب الذين يشكلون جماعات لا يزيد عددهم عن عشرة آلاف نسمة موزعين على مناطق مختلفة.

ومن النتائج المتوقعة لكون روسيا استولت على عدد من الممالك والبلدان الإسلامية، وكذلك سياسة تفريق المسلمين التي اتبعها الروس، أن يكون المسلمون في كل جمهورية أو مدينة من المدن الروسية، والمسلمون في القسم الأوروبي من روسيا الاتحادية يتوزعون على عدد من الجمهوريات ذات الحكم الذاتي ومقاطعات محكومة ذاتيًا.

ويشرف على مناشط المسلمين الدينية عدد من الإدارات التي يشرف عليها بعض المفتين، ويقع القسم الأوروبي تحت أكثر من إدارة دينية، أحدها الإدارة الدينية المركزية ومقرها في مدينة أوفا في جمهورية بشكيرستان، ويتبعها عدد من الجمهوريات والمقاطعات الأوروبية، والأخرى الإدارة الدينية لمنطقة وسط أوروبا ومقرها موسكو.