كيف نفهم المراهقين

  • 84

نقلًا من محاضرة للدكتور محمد إسماعيل المقدم

-وضع الإسلام منهجاً تربوياً يكفل بناء الشخصية بناءً صحيحاً، وهو خير من المناهج الغربية، فعلى الآباء الالتزام بمنهج الإسلام، والتعامل مع المراهقين على أساس توجيهاته.

فالتركيز على تربية المراهق في المجال النفسي والعقلي الذي يحظى باهتمام كبير في الإسلام أمر طبيعي يتطلبه النمو الجسمي السريع والنمو العقلي للمراهق، وذلك أنه كالسفينة التي تدخل منطقة أمواج عاتية؛ فإنها تحتاج من ربانها قيادة ماهرة حكيمة توصلها لبر الأمان، فالمراهق يعيش في ظرف خاص، لكن هذا الظرف من حالات الطوارئ، يجب إعداد العدة في وقت مبكر كي لا تغرق السفينة بمن فيها.

ولذلك فعلى من أراد أن يبني أمة أن يستثمر مرحلة المراهقة، ومن أراد أن يحصن أمة فعليه أن يستثمر مرحلة المراهقة.

ومن أهم مشكلات المراهق: ما يتعلق بعلاقاته ببالغين وبصفة خاصة بوالديه، ورغبته في التحرر من سلطان البالغين للحصول على ما لهم من مكانة واستقلال، وعلاقة المراهق بالبالغين مشكلة تتطلب ليس فقط قبولاً لرغباته ودوافعه، بل تتطلب -من جانبه- أيضاً قدراً من قبوله لإشراف الآخرين وقبول آرائهم.

إن المراهق يرغب في أن يحرر نفسه من إشراف الكبار، حتى يتخذ ما يعتبره حقه ومكانه الطبيعي في الحياة، وتسمى عملية الاستقلال عن الوالدين، وعن إشراف البالغين الآخرين، وإحلال الاعتماد على الذات والكفاية الذاتية محلها؛ هذه العملية تسمى: الفطام النفسي. إذ على الأب والأم أن يتفهما أن هذه مرحلة طبيعية

وتنقسم المراهقة إلى ثلاث مراحل:

المرحلة الأولى: المراهقة المبكرة: ويربطونها بالمرحلة التي هي من اثنتي عشرة سنة إلى أربع عشرة سنة، وهي فترة التعليم،

ثم المرحلة الثانية: من خمس عشرة إلى ثماني عشرة، وهي المراهقة المتوسطة، وهذه تكون غالباً في التعليم الثانوي،

ثم المرحلة الثالثة: وهي من ثماني عشرة إلى اثنتين وعشرين، وهي مرحلة التعليم الجامعي.

وأكبر مشكلة تبرز في حياة المراهقين اليومية، والتي تحول بينه وبين التكيف السليم، هي علاقته بالراشدين، وبالذات الآباء منهم؛ فهو يكافح بالتدريج كي يتحرر من سلطة الآباء؛ لأنه يريد أن يكون كالكبار من حيث المركز والاستقلال، فبالتالي يريد أن يصل بسرعة لمستوى الكبار ويتحرر تماماً من سلطتهم، وبالتالي تنشأ الصراعات.

فالمراهق لا ينصت لأحد ممن يكبره، وهو يعتقد أن طريقة معاملته لا تتناسب مع ما وصل إليه من نضج، وما طرأ عليه من تغيير، وتجده يقول: لا يوجد من يفهمني أو يدرك ما عندي من خبرة وأني أستطيع أن أستقل بالأمور، وقد يجد أن الآباء قد يتدخلون في شئونه الخاصة، فيكثرون أسئلة من نوع: أين كنت؟ ومع من؟ ماذا تقرأ؟ ماذا استمعت؟ ماذا كان يقول لك فلان؟ فيتدخلون بصورة تفصيلية في هذه المظاهر الحياتية، وبالتالي يتمثل الأمر في صورة صراع بينه وبين الكبار، فيصبح الوضع في المنزل أو عمل الأبوين مثل عمل الشرطة التي تضبط الناس وتراقبهم وتتابعهم، فيصير البيت كأنه ثكنة عسكرية أو مركز شرطة بين هذا المراهق وبين الأبوين.

كيفية التعامل مع المراهق:

- فينبغي أن نتعامل معه كرجل قادر على الاستقلال، كما نشجعه على تحمل المسئوليات، واتخاذ القرارات، والتخطيط للمستقبل؛ هذا الفهم لمركز المراهق لا يأتي دفعة واحدة، ولكنه يكون محصول سنوات من الاستقلال التدريجي المتزايد، وإبراز الذات، والأسرة هي التي ينبغي أن ترسم الخطط لمراهقها حتى يتعلم الاعتماد على نفسه في سن مبكرة، فبذلك تعمل أحسن ما في وسعها لتأكيد نضج الفرد، هذا النوع من التوجيه يجب أن لا يكون أمراً عرضياً، لكنه ينبغي أن يكون نتيجة تفكير عميق وواع من الآباء، فالآباء يجب أن يسألوا أنفسهم على الدوام: متى نستطيع أن نسمح لولدنا المراهق أن يفعل هذا أو ذاك؟ ومن ثم يحدد هو بنظرته ما هو السلوك السليم في كل مرحلة؟ ما الفرص التي نسمح له بها كي يمارس استقلاله ويكتسب خبرات جديدة في الحياة وتبرز نضجه وذاته؟ فأحسن سياسة تتبع مع المراهق هي: سياسة احترام رغبته في الاستقلال والتحرر، لكن بشرط عدم إهمال رعايته وتوجيهه؛ فهذه السياسة تؤدي من جهة إلى خلق جو من الثقة بين الآباء وأبنائهم، وبالتالي يستطيع الابن أن يستفيد من خبرات أبيه ويصغي إلى نصحه، وفي نفس الوقت تساعد المراهق نفسه على أن ينمو نمواً ناضجاً ومتزناً.