حرمها الشرع وتصل بأصحابها للانتحار.. المراهنات الإلكترونية.. وباء جديد يهدد المجتمع

الإحصائيات مفزعة.. "النور" يستخدم الأدوات البرلمانية لتطويقها

  • 94
الفتح - المراهنات الإلكترونية أرشيفية

انتشرت المراهنات الإلكترونية، خاصة على نتائج مباريات كرة القدم، وذلك مع تردي الأوضاع الاقتصادية والبحث عن الثراء السريع؛ إذ أصبحت أحدث وسائل النصب والاحتيال في عالم الجريمة، ويعتمد عليها العديد من شركات الرهان في تحقيق المكاسب المالية السريعة، فالمشاركون يدفعون أموالًا ويتوقعون نتائج المباريات؛ ليحصل صاحب التوقع الصحيح على الكثير من الأموال التي تشمل ما دفعه وما دفعه غيره، كما أن معظم الألعاب القائمة على الرهان تعد أداة يستخدمها المحتالون في اصطياد فرائسهم من خلال التكنولوجيا الحديثة.

ونظرًا لخطورة تلك المراهنات وما يترتب عليها من جرائم، تتناول "الفتح" في هذا التحقيق الحكم الشرعي لها، والموقف القانوني منها، وكيفية حماية الأبناء من مخاطرها.


إحصائيات مفزعة

يقدر حجم سوق المراهنات الرياضية عبر الإنترنت عام 2024 بـ 48.17 مليار دولار أمريكي، وتشير التوقعات إلى وصوله إلى 83.58 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2029، بمعدل نمو سنوي مركب قدره 11.65% خلال الفترة المتوقعة [2024-2029].

ونشر معهد "كيندبريدج للأبحاث" في الولايات المتحدة الأمريكية، المتخصص في علاج إدمان القمار، بَحْثًا عن خطورة المراهنات؛ إذ خلص إلى نتائج أهمها أن معدل مشكلات المقامرة بين المراهنين في كرة القدم ضعفي ما يعاني منه المقامرون الآخرون؛ بسبب أن المقامرة عبر الإنترنت متاحة على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع، وتوفر المزيد من الراحة والخصوصية.

وحذر البحث من خطورة المراهنات الرياضية وما يمكن أن تسببه من أزمات قانونية ومالية وأسرية وعقلية وجسدية شديدة، والتي غالبًا ما تزداد سوءًا مع مرور الوقت وقد تصل إلى الانتحار. كما أظهر البحث أن 45% من المراهنات الرياضية تتم عبر الإنترنت ووصل الأمر للرياضيين المحترفين؛ إذ كشف تقرير أوروبي حديث عن أن 57% من الرياضيين المحترفين شاركوا في المراهنات الرياضية عام 2017، بينما قام 75% من الطلاب بالمقامرة، وفقًا لبيانات عام 2018.


تحريم الإسلام للميسر

من جهته، قال المهندس إيهاب شاهين، الداعية الإسلامي: إن هذه المراهنات من الميسر الذي نهي عنه الشرع في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ ۖ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ} [المائدة: 90-91]، مشددًا على أنها ليست من باب المسابقة الجائزة، بل محرمة شرعًا، وتؤدي إلى الشحناء والبغضاء، بل وإلى الانتحار والقتل، وهذا ما كان يفعله القمار قديمًا، وما يفعله حديثًا بأصحابه؛ لذلك علق الشارع الفلاح على اجتنابه.

وذكر [التفسير الميسر] في تفسير "الميسر" المذكور في الآيتين السابقتين: "... والميسر: وهو القمار، وذلك يشمل المراهنات ونحوها، مما فيه عوض من الجانبين، وصدٌّ عن ذكر الله. إنما يريد الشيطان بتزيين الآثام لكم أن يُلقِي بينكم ما يوجد العداوة والبغضاء، بسبب شرب الخمر ولعب الميسر، ويصرفكم عن ذكر الله وعن الصلاة بغياب العقل في شرب الخمر، والاشتغال باللهو في لعب الميسر، فانتهوا عن ذلك".


أفعال مُجرمة قانونًا

يُجرم القانون المصري القمار؛ إذ تنص المادة (352 - قانون العقوبات) على "كل من أعد مكانًا لألعاب القمار وهيأه لدخول الناس فيه يعاقب هو وصيارف المحل المذكور بالحبس وبغرامة لا تجاوز ألف جنيه وتضبط جميع النقود والأمتعة في المحلات الجاري فيها الألعاب المذكورة ويحكم بمصادرتها".

ومع انتقال المقامرة إلى الأونلاين، لم يضع قانون الجرائم الإلكترونية رقم 175 لسنة 2018 نصًا واضحًا للعقوبة، ولكن يواجهها بالمادة 23 من الجرائم المرتكبة بواسطة أنظمة وتقنيات المعلومات والتي تنص على "يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن 3 أشهر وغرامة لا تقل عن 30 ألف جنيه ولا تتجاوز 50 ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من استخدم إحدى وسائل تقنية المعلومات، في الوصول دون وجه حق إلى أرقام أو بيانات أو بطاقات البنوك والخدمات أو غيرها من أدوات الدفع الإلكترونية. فإن قصد من ذلك استخدامها في الحصول على أموال الغير أو ما تتيحه من خدمات، يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر وغرامة لا تقل عن 60 ألف جنيه ولا تجاوز مائة ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، وتكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة، وغرامة لا تقل عن 100 ألف جنيه ولا تتجاوز 200 ألف، أو إحدى هاتين العقوبتين، إذا توصل من ذلك إلى الاستيلاء لنفسه أو لغيره على تلك الخدمات أو مال الغير".


مطالبات بحجب مواقع المراهنات

فيما أكد أحمد الشريف، عضو مجلس النواب عن حزب النور، أنه سيكون لنواب الحزب في البرلمان موقف بالمطالبة بحجب وإيقاف هذه المواقع؛ نظرًا لما أحدثته من خلل كبير وجرائم وجنايات، وما فيها من اختلاس واستغلال للمصريين، وسرقة أموالهم بطريقة محترفة؛ إذ يبدأ معهم بإغراءات وكأنهم وسيط للوقوع بهم في هذه الحفرة التي لا يأتي من ورائها إلا الشر، وما يترتب على ذلك من المشاكل التي أحدثتها في البيوت، ولا أعظم من مشكلة القتل التي حدثت للطالب الذي قُتل على يد مدرسه بسبب هذه المراهنات المحرمة شرعًا.

وطالب الدكتور أحمد رشوان، عضو الهيئة العليا لحزب النور، بضرورة تفعيل قانون يجرم المقامرات والمراهنات بكل أنواعها وأشكالها؛ لأنها تربي نفسية سيئة في المجتمع، وتترتب عليها جرائم قتل، وانتهاكات مادية عظيمة، واصفًا إياها بأنها اختلاس علني مقنن، فهذا حتى لو برضا الطرفين فهو محرم شرعًا قبل أي شيء؛ ولذلك تأتي حكمة الشرع في تحريم ما فيه ضرر بالنفس والعِرض والمال.


مخاطر على الصغار والمراهقين

أوضح الدكتور عاصم حجازي، أستاذ علم النفس التربوي المساعد بجامعة القاهرة، أن من مخاطر هذه المراهنات أنها قد تجعل بين أيدي الصغار والمراهقين مبالغ مالية قد ينفقونها في شراء أشياء ممنوعة وتضر بصحتهم، مثل: المخدرات أو السجائر، وقد تكون مدخلًا إلى الكثير من الأفعال المستقبلية المرفوضة، مثل: التعود على الكسب السريع غير الشرعي، بالإضافة إلى أنها قد تؤدي إلى الشعور بالعجز والفشل والإحباط حال الخسارة؛ مما يدفع الطفل إلى السلوك العدواني اللفظي أو الجسدي أو الاجتماعي، وهو ما قد يتحول في ظل إقباله المتزايد عليها إلى جزء من سلوكه الدائم وشخصيته.


كيف تحمي أبناءك؟

وعن كيفية مساعدة الأبناء على التخلص من هذه المشكلة، قال أستاذ علم النفس التربوي: يجب الحرص على شغل وقته بما يفيد، ومساعدته على تأكيد ذاته وتدعيم ثقته بنفسه، والحصول على المكانة من خلال أساليب مفيدة ومقبولة اجتماعيًا، ومراقبة أنشطته وتفاعلاته مع أصدقائه، مشددًا على ضرورة التعرف على مصادر أي مبالغ مالية كبيرة معه، ومتابعة حجم وطبيعة مشترياته بشكل مستمر.

أما عن كيفية حماية الأطفال والشباب من الدخول على مواقع المراهنات، قال المهندس أحمد طارق، خبير أمن المعلومات، إنه لابد من حجب هذه المواقع داخل وخارج المنزل، وذلك بثلاث طرق، الأولى: الدخول على (IP) الراوتر ووضع أسماء هذه المواقع بحيث لا يستطيع أي شخص الدخول عليها، والثانية: الحجب على الهاتف نفسه ببرنامج (Net Blocker) بالدخول عليه من خلال الراوتر وإدخال أسماء المواقع لحجبها، والثالثة: الحجب عن الاتصال ببيانات الهاتف "الداتا" بتطبيق (FamiSafe)؛ إذ يمكنك من خلاله التحكم في هواتف أبنائك حتى وهم خارج المنزل فترى كل المواقع التي يدخلون عليها ويمكنك حجب المواقع غير المرغوب فيها.