المدرسة الرمضانية

أمل السلاحجي

  • 25

شهر رمضان شهر جليل عظيم، ينتظره المسلم ويعد الأيام قبله لينعم بقرب خاص، وحالة إيمانية مختلفة تزود قلبه بوقود الإيمان لباقي العام، إن أحسن اغتنامه وفهم دروسه.. فرمضان ليس مجرد شهر للعبادة وفقط، بل مدرسة كاملة للتعليم والتربية على معاني الإيمان والتقوى، فهو معسكر تدريب ينطلق منه المسلم لباقي العام وقد أُعد ليجابه شهواته، وشيطانه، ودنياه الغرور.. 

في كل جانب في رمضان درس.. وفي كل ساعة في رمضان عظة لمن تفكر وتدبر، فأعظم دروس رمضان وأثمن ثمراته هي التقوى، يتعلمها المسلم في كل يوم وليلة، ينتبه لما يفسد صومه، حتى قطرة الماء ينتبه لها جيدًا، يتحرى وقت إفطاره وسحوره، يسأل عما قد يفطره، تجد الصائمين في رمضان يسألون عن غبار الطريق، ودخان الشواء وكل جليل ودقيق.. أليس ذلك من التقوى؟  

من دروس رمضان كذلك استشعار النعمة، وهو درس جليل يُعين على الشكر والرضا، فالصائم يرى كوب الماء ثمينًا لا يقدر بثمن، ويرى في طعامه -ولو كان بسيطًا- نعمة عظيمة حرمها لساعات تاقت نفسه فيها لها. 

وكذلك ينبهك رمضان لحقيقة الدنيا، فبعد شوقك للطعام والشراب طوال نهار صيامك فتقبل عليه بلهفة عند الإفطار، لكن ما تمر لحظات من تناوله حتى يشبع المرء، ويزهده بل إن استمر في الأكل ثقل وتعب.. 

تلك هي متع الدنيا نسعى إليها وننتظر ثمرها بشوق، ثم ما إن ننالها حتى نزهدها ونتركها لنبحث عن متعة أخرى.. كسراب بقيع. 

يعلمك رمضان درسًا آخر قيمًا وهو قيمة الوقت؛ فالدقيقة قبل الفجر ثمينة ومهمة، وكذلك الدقيقة قبل المغرب قد تفسد صوم يوم كامل إن سارع المرء للفطر قبل الأذان، الدقيقة في رمضان ثمينة جدًا ما تكسبه فيها من حسنات مضاعف، ودقيقة في ليلة القدر لا تقدر بثمن ولها حساب آخر. 

من دروس رمضان أيضا أنه يقيم عليك الحجة من نفسك ويريك قدراتك الحقيقية، بلا عذر ولا حجج، فلقد استطعت أن تصوم ثلاثين يومًا متتاليين.. كما استطعت أن تختم القرآن مرة واثنتين وثلاث.. فأين مشاغلك التي كنت تتحجج بها؟! كما ادخرت وأنفقت ولم تر إلا البركة والخير.. فلم تحرم نفسك من بركة الإنفاق والإطعام سائر العام؟! 

وكم من فتاة تركت زينتها ولبست الساتر الواسع.. فأين ذهبت حججها بعدم قدرتها وسهولة حركتها وعدم امتلاكها لملابس مناسبة.. وكل تلك الحجج لتترك الحجاب باقي العام؟! هكذا رمضان، يخرج قدراتك بالاستعانة بالله ويبطل حججك في البعد عنه.. 

ومدرسة رمضان لا تنتهي دروسها لكنها تحتاج لطالب متأمل مستعد لتلقي تلك الشحنة الإيمانية، والدروس القيمة لتعده لعام كامل، يسير فيه وقد أُعد جيدًا لمواجهة عواصف الفتن بما امتن الله عليه في رمضان من نعم وعبر..