لنحقق المهمة

سلمى منصور

  • 76


    

خلق الله الإنسان في هذه الدنيا ليحقق مهمة واحدة وهي عبوديته -سبحانه وحده- قال خالقنا سبحانه وتعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}، هذه المهمة تدور حولها حياتنا بأكملها فهي شاملة وليست قاصرة، قال تعالى: { قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (*) لَا شَرِيكَ لَهُ ۖ وَبِذَٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ}، فإذا كان الحق أن يصرف عمر الإنسان كاملًا لتحقيق مهمة واحدة، كان لزامًا عليه أن يدركها حق الإدراك ليحققها بإتقان.

حتى يتحقق ذلك علينا أن نعي عدة أمور:

نعي طبيعة المهمة، وطبيعة مؤديها، وما عوائق تحقيقها، وما الفرص؟

إن طبيعة العبودية أنها يسيرة على من يسّرها الله عليه، والموفق فيها من وفقه الله وفقط فعلينا الدعاء والتضرع، كما أن طبيعتها أن الطريق المؤدية إليها محفوفة بالمكاره، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات" لذا فعدتك هي الصبر والمصابرة.

ودليلك الإرشادي في طريقك هو القرآن والسنة بفهم سلف الأمة ولا غير ذلك فالامتثال والمتابعة مع الإخلاص هما شرطا قبول أعمالك.

أما عن طبيعة الإنسان الذي سيحقق هذه المهمة:

فقد خلقه الله محبًا للشهوات مليئًا بالغرائز، لكن الذي يحميه ويعينه على نفسه:

هو أن يستعين بالله وحده، ويدرك أن الله هو الخالق لهذه النفس، فهو العليم بما يصلحها ويفسدها، لذا يمتثل الأمر ويجتنب النهي، كما أنه يذكر نفسه بما في الامتثال من الطمأنينة وراحة البال والحلاوة، وكذلك يُذكرها بما في الآخرة من أهوال، وتكون سياسته معها المحاسبة والمجاهدة.

أما عوائق الطريق فكثيرة والصوارف عديدة، يخلقها لك شياطين الإنس والجن، فإذا أزلت الستار ضاع الطريق منك، فركز في طريقك ولا تنشغل بالصوارف.

وأخيرًا الفرص: فكما كثرت المعوقات فإن الفرص أيضا كثيرة لكل لبيب فطن، ومن أعظم الفرص التي كفلها لنا ديننا أننا نحاسب بالنوايا فرب عمل يسير بنيتك تنال به أجورًا عظيمة، فكل عمل إذا نويته حسبة لله فلك به أجر ولو كان في غريزة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "وفي بضع أحدكم صدقة"، حتى ولو كان مجرد نوم، قال بعض السلف (إني لأحتسب في نومتي ما أحتسب في قومتي) ولذا قيل إن النية تجارة العلماء.

لكن هناك فرص من نوع آخر، فرص يرسلها الله لنا كمواسم الطاعات وكذلك المواسم التي تتيسر فيها الطاعات، والآن نحن في فرصة منها

ألا وهي فصل الشتاء، الغنيمة الباردة، قال صلى الله عليه وسلم: "الشتاء ربيع المؤمن طال ليله فقامه وقصر نهاره فصامه"، غير ما فيه من خيرات كثيرات، ففيه دعوات مستجابات عند نزول المطر، وفيه أجور مجاهدة فعل الطاعات في هذه الأجواء المستصعبة وفيه تتجلى معاني التكافل ومعاونة العباد بالصدقات لتدفئة محتاج من برد قارس.

وخلاصة القول في طريق تحقيق هذا الهدف ما قاله صلى الله عليه وسلم: "ضرب الله مثلًا صراطا مستقيما وعلى جنبتي الصراط سوران فيهما أبواب مفتحة وعلى الأبواب ستور مرخاة، وعلى باب الصراط داعٍ يقول أيها الناس ادخلوا الصراط جميعا ولا تتعرجوا، وداعٍ يدعو من فوق الصراط فإذا أراد أن يفتح شيئًا من تلك الأبواب قال: ويحك لا تفتحه فإنك إن تفتحه تلجه، والصراط الإسلام، والسوران حدود الله، والأبواب المفتحة محارم الله وذلك الداعي على رأس الصراط كتاب الله والداعي من فوق الصراط واعظ الله في قلب كل مسلم"، فهنيئا لمن أدرك طبيعة الطريق وأدرك قصور نفسه فساسها بالمحاسبة والمجاهدة وتصدى لعوائق الطريق واستعد للفرص فانتهزها لتكون النتيجة هي تحقيق الهدف وهو العبودية لله في الدنيا والوصول للغاية وهي الجنة في الآخرة