«ذهبتُ وأنا عمرُ.. ورجعتُ وأنا عمرُ»

  • 1695
صورة أرشيفية


في عالم الماديات وسلسلة من المقارنات، ومناسبات تنهينا ولا تنتهي، لكننا ننجرف ولا ندري، أشياء بسيطة توقع بقلوبنا، كم ظننا أننا لقلة الإمكانيات بعيدون عن الكبر والغرور؟ ولكن على قلة الإمكانيات أوقعنا أنفسنا في المهلكات.

أصبحتْ أيامنا سباقات، كم حصلنا وكم مع غيرنا!، لم يكن يومًا لدينا، أصبح كل شيء في الحياة موزونًا بالمادة، وندّعي أننا لا نقدر بثمن، توارثنا سلسلة من المقارنات أورثتنا الكبر بنعم الله علينا، بدلًا من شكرها، سلسة لا ترفع من شأننا بقدر ما تحط.

فمنذ الطفولة لا طريقة للأب أن يعبر عن حبه لولده إلا أن يذكره بكم اشترى له ثيابه وأدواته، وكم تزيد في ثمنها على ما لأقرانه، وتظل طريقة الحب تلك ملازمة لكل مرحلة من المراحل الدراسية الأولى إلى تجهيزات الزواج.


تلك الطريقة التي تورث التعالي بكل عفوية، وتغرس الكبر بمنتهى التواضع، فهذا الذي اعتاد أن ماله يفوق ما لأقرانه غرق في بطالة بحجة أن ذلك ترفع، وأن فلانًا الذي يرتدي كذا ويدعونه بكذا لا يصح أن يقوم بذلك العمل الذي يتنافى مع ما وضع نفسه فيه من مقارنات.

حيث أورثه الكبر على العمل البطالة، والكبر في طلب العلم أورث جهلًا، والكبر في البيت خلق زوجة تتعالى على خدمة زوجها، والزوج يتعالى برجولته على مساعدة زوجته، ويظل ذلك الشيء في النفوس يفسدها حتى يسد أذنها عن النصيحة.

اهتم كل شخص ببناء ما حوله، وكأنه يصنع سورًا يختبئ خلفه، ونسي شخصه، نسي أنه سيدعى يومًا مجردًا من كل تلك الأشياء، فإما أن تكون معدًا من الصغر أو مرودًا لنفسك في الكبر على العمل بشخصك لا ما أسند إليك من مال موروث أو جاه، لا بالتنكر لأي عمل مهما كان بسيطًا.


ورد أن عمر بن عبد العزيز أتاه ليلة ضيوف، وكان يكتب، فكاد السراج يطفأ، فقال الضيف: «أقوم إلى السراج فأصلحه»، فقال: «ليس من كرم الرجل أن يستخدم ضيفه»، قال: «أفأنبه الغلام؟»، فقال: «هي أول نومة نامها»، فقام وملأ المصباح زيتًا، فتعجب الضيف: «قمت أنت يا أمير المؤمنين؟! فقال: «ذهبت وأنا عمر، ورجعت وأنا عمر، ما نقص مني شيء, وخير الناس من كان عند الله متواضعًا».