عاجل

الأمانة و أثرها في المجتمع

وفاء الشحات

  • 42

على مر العصور سيظل زمن الخلفاء الراشدين المهديين ومن سار على دربهم شامخاً نعتز ونستشهد به في كل نواحي الحياة، لاسيما العدل والأمانة التي شهد بها العدو قبل الصديق، ونخص بالذكر هنا عهد العُمرين عمر بن الخطاب، وحفيده عمر بن عبدالعزيز رضي الله عنهما.

كان عمر بن الخطاب يقول عنه الصحابة من شدة حرصه على العدل بين رعيته: لقد أعييت من يأتي بعدك يا عمر، وقال عنه أحد رُسل كسرى عندما كان يبحث عن الخليفة فقيل له هو النائم هناك تحت الشجرة فَهالهُ ما رأى من حال خليفة المسلمين وما يراه من الأكاسرة والقياصرة فقال قولته الخالدة لليوم (حكمت فعدلت فأمنت فنمت يا عمر)، وهنا سنحكي قصة من هذه القصص التي كان لها أعظم الأثر على الأمة كلها.

قد كان ديدنه-رضي الله عنه- تفقد أحوال الرعية بنفسه فكان يسير ليلاً متخفياً ومعه خادمه فقط يتفقد أحوال المسلمين يسمع شكواهم دون أن يخافوه.. يقضي حوائجهم، وفي ليلة من ليالي تفقده جلس ليستريح وأسند ظهره إلى أحد الجدران فإذا به يسمع امرأة تقول: قومي بنيتي إلى ذلك اللبن فامزجيه بالماء، فقالت الابنة: أي أماه أما علمت من أمر أمير المؤمنين ألا يُشاب اللبن بالماء؟!.. قالت الأم: يا بنيتي إنك في موضع لا يراك فيه عمر!  فقالت الابنة قولتها المشهودة( لو كان عمر لا يرانا فرب عمر يرانا) فأعجب الخليفة عمر بأمانة هذه الفتاة وشدة مراقبتها لله عز وجل.

وفي الصباح جمع أبناءه الثلاث ليحكي لهم قصتها ويعرض عليهم الزواج بها فرغب ابنه عاصم بالزواج منها وتزوجها، إنها (أم عمارة بنت سفيان بن عبدالله بن ربيعة) فأنجبت له بعد ذلك (أم عاصم ليلى بنت عاصم بن عمر بن الخطاب) لتتزوج من عبد العزيز بن مروان لتنجب لنا خامس الخلفاء الراشدين عمر بن عبد العزيز. الذي كانت مدة خلافته سنتين وبضعة أشهر ولكنها سطرت بماء الذهب صفحات بيضاء مزدهرة..

الشاهد كيف هو أثر الأمانة على الفرد والمجتمع في الدنيا قبل الآخرة فبأمانة هذه الفتاة ومراقبتها لله أكرمها الله بالزواج من ابن أمير المؤمنين، ويبارك الله هذا الزواج المبني على التقوى والمراقبة ومعياره الأساسي الأمانة لا زخارف دنيا زائلة، ذرية صالحة يكون منها الخليفة العادل عمر بن عبدالعزيز، فبصلاح الفرد يصلح المجتمع كله وبحسن اختيار (الزوج.. الزوجة) يصلح الأبناء والذرية فيعُم على المجتمع ويزهو ويزدهر..

وقد كان نبينا -صلى الله عليه وسلم- يلقب بالصادق الأمين قبل البعثة وقال عليه أفضل الصلاة والسلام: (إذا ضُيعت الأمانة فانتظر الساعة)  

فليجعل كل منا مراقبة الله عز وجل أمام ناظريه ولنجعل حياتنا مبنية على الصدق والأمانة وعدم الغش وإن قَلوا.. فاسلك طريق الهدى ولا يضرك قلة السالكين وتجنب طريق الضلالة ولا يغرك كثرة الهالكين.. فيصلُح حالنا وذرياتنا، قال تعالى ﴿وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا﴾.