دعاة يحذرون من "البدع" في شهر رجب

  • 55
الفتح - شهر رجب أرشيفية

يتحرى المسلمون حول العالم نفحات الأوقات المباركة، التي عظمها الله ويزداد فيها فضل العمل الصالح، ومن تلك الأوقات المباركة الأشهر الحرم، والتي منها شهر رجب، الذي يبدأ غدًا السبت، غير أن بعض المسلمين خصص فيه بعض العبادات التي لم ترد في القرآن ولا السنة، وهو ما سنتعرف على حكمه في هذا التقرير.

قال عادل نصر، المتحدث باسم الدعوة السلفية: من المعلوم أن شهر رجب من الأشهر الحرم كما ذكر الله -عز وجل- ذلك في كتابه، قال تعالى: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} [التوبة: 36]، وهذه الأشهر الحرم بيّنتها السنة؛ ففي الصحيحين عن أَبِي بَكْرَةَ -رضي اللَّه عنه- عَنْ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "الزَّمَانُ قَدْ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ثَلَاثَةٌ مُتَوَالِيَاتٌ ذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ وَرَجَبُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ"، وسُميت حرمًا؛ لتحريم القتال وسفك الدماء فيها، وهذه الأشهر العظيمة يشتد فيها جرم ارتكاب المحرمات، والتي هي منهي عنها في كل الأوقات.

وردًا على سؤال "هل اختص رجب بشيءٍ من العبادات؟"، أكد "نصر" -في تصريحات خاصة لـ "الفتح"- أنه لا يجوز تخصيص زمانٍ ولا مكانٍ بشيءٍ من العبادات إلا بشرع؛ إذ إن الأصل في العبادة التوقف، فلابد أن تدل عليها أدلة شرعية؛ آيات من كتاب الله أو أحاديث صحيحة، والصحيح الثابت أنه لم يرد تخصيص شهر رجب بشيءٍ من العبادات لا الصيام ولا القيام، كما قال الحافظ بن حجر العسقلاني -رحمه الله- "لم يرد في فضل شهر رجب ولا صيامه ولا في صيام شيء منه معين، ولا في قيام ليلة مخصوصة فيه حديث صحيح يصلح للحجة" [كتاب تبيين العجب بما ورد في فضل رجب/ص11].

وأضاف: وقال الإمام ابن القيم -رحمه الله- "كل حديث في ذكر صيام رجب وصلاة بعض الليالي فيه فهو كذب مفترى" [كتاب المنار المنيف في الصحيح والضعيف/ص96]. مستطردًا: وعليه فلا يصح مطلقًا تخصيص شهر رجب بشيءٍ زائدٍ عما شُرع للمسلم، وبخصوص العمرة ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه اعتمر في رجب، كما ورد عن السلف أنهم كانوا يعتمرون فيه، كما قال ذلك الحافظ ابن رجب -رحمه الله-.

وأوضح "متحدث الدعوة السلفية" أن ما يفعله بعض المسلمين من الصلاة في ليلة أول جمعة من رجب وهو ما يسمونها بصلاة الرغائب بدعة لم تثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- الذي قال: "مَن أَحْدَثَ في أَمْرِنَا هذا ما ليسَ فِيهِ، فَهو رَدٌّ" [متفق عليه]، وكذلك ما يفعلونه من تخصيص يوم 27 رجب بصيام نهاره وقيام ليله، مشيرًا إلى أن الإسراء والمعراج ثابتان، لكن لم يثبت أنهما في هذه الليلة، ولو ثبت ذلك فلا يجوز أن يُخص بعبادة إلا بدليلٍ عليها، وعليه فيجب على المسلمين الاجتهاد في الطاعة والتوبة إلى الله، واجتناب المحرمات وظلم النفس، وعدم التقصير في جنب الله في كل وقت، لكن عليهم أن يعلموا أن أعظم ما يُتقرب به إلى الله هو ما شرعه، وعليهم أن يجتنبوا البدع.

وشدد محمود عبد الحميد، عضو مجلس إدارة الدعوة السلفية، على أنه مع قلة العلم وانتشار الجهل وقلة العلماء بالكتاب والسنة تنتشر البدع المخالفة للشرع، ويقل تمسك الناس بالسنة، موضحًا أن البدعة هي طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشريعة، يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد إلى الله تعالى؛ فهي أمور ليست من الشرع، وإن كان فيها شبه من الشرع فهي مخترعة ليس لها مثال سابق من هدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

وقال عضو مجلس إدارة الدعوة السلفية -في تصريحات خاصة لـ "الفتح"-: ولا شك أن هذه الأعمال التي ليست من سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- غير مقبولة ومردودة على صاحبها، مؤكدًا أن خير الهدي هدي رسول الله، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار؛ فالواجب على المسلمين اتباع السنة، والاستقامة عليها، والتواصي بها، والحذر من البدع كلها.