الغنيمة الباردة

هبة سعيد

  • 21

سبحان من جعل في العام اختلاف تعاقب الليل والنهار، والحر والبرد، سبحان من جعل الشتاء والصيف نقيضين آية من آيات الله، فنجد المؤمن حريصًا في كل موسم على طاعة من الطاعات؛ يأتي الشتاء يطول ليلُه فيقوم ويعمره بالصلاة والذكر، ويقصر نهاره فيصوم بلا مشقة ولا تعب وعطش لهذا سُمي بالغنيمة الباردة فهي تُنال بلا مشقة ولا جهد كبير فهو عبادة تستحق التفكر في عظمة خلق الله، فسبحان من جعل كل شيء عنده بمقدار، ألا يستحق ذلك منا أن نتفكر في خلق الله وعظمته في تسيير شؤون خلقه؟

 فالشتاء يذكرنا بيوم البعث فقد قال الله تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) مما يدفعنا إلى زيادة اليقين والإيمان بقدرة الله تعالى وقوته ورحمته بخلقه، وقدرته على إعادة الخلق يوم البعث للحساب، وبالتالي إقبال المؤمن بقلبه على التقرب إلى الله بالطاعة والعبادة، حيث يستغل النهار بالصيام والليل بالقيام متمثلًا أمامه الحديث القدسي: "كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به".

 لأن الصوم فقط هو العمل الذي نرجو من الله تعالى أن يحفظه لنا دون أن نفقد حسناته أما باقي الأعمال فقد يفقد العبد الحسنات التي اكتسبها عند الصراط والاختصام مع الخلق فيأتي وقد سب هذا وأكل مال هذا وكلهم يأخذون من حسناته، أما الصوم فلا أحد يأخذ من ثوابه شيئًا لأنه خالص لله فهذه العبادة المضمونة نحن جميعاً أحوج إلى ثوابها المصون عند الله إن شاء الله.

 وأما القيام فيقوم المؤمن متمثلًا أمامه الحديث الصحيح من حديث أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما تقرب إليّ عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه وما زال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها"، بل ويستشعر في الثلث الأخير من الليل النزول الإلهي نزولًا يليق بجلاله وعظمته ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ينزل ربنا إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: من يدعوني فأستجب له من يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له". فمن منا ليست له حاجه !من شفاء مرض وتفريج كرب أو قضاء دين أو حتى سؤال الله المغفرة والتوبة وأن يجعلنا الله من أهل الجنة ويصرف عنا عذاب النار، فعلى كل مؤمن أن ينتهز الفرص وذلك كل ليلة الحمد لله تعالى على نعمائه وعطائه في كل مواسم العام وبل وفي كل يوم فوفقنا الله وإياكم إلى اغتنام مواسم الطاعات والزيادة في القربات ورزقنا الله وإياكم القبول 

والإخلاص.