الإفاقة

  • 48
الفتح - الإفاقة قبل فوات الأوان

هل تشعرين بالتقصير فيما مضى؟ هل ينتابك حزن لعدم الإنجاز والاستزادة من فعل الصالحات؟ هل يمر عليك الوقت ولا تجدي لذة الطاعة وحلاوة القرب، وخشوع القلب ودمع العين؟ فلم تعطي القرآن حقه، ولم توفي صلاتك وصيامك وأذكارك وأورادك، وتحسني عباداتك؟!

أما حانت الإفاقة؟! أما حان ترتيب الأولويات؟! ألا نستغل الفرصة لمراجعة النفس؟!

بالفعل إذا كان هذا حالك الآن من شعور بالندم، فهذه بداية الإفاقة والإنتباه لما فيه القلب من غفلة، والقلب القاسي يلينه ذكر الله -تبارك وتعالى-، فإذا اشتدت الغفلة اشتدت قسوة القلوب فتحتاج إلى ذكر أكثر لا العكس، في حال الغفلة يقل الذكر، فتزداد القسوة، ثم تزداد المعاناة بل قد يصير العبد إلى حال لا يشعر أن قلبه قاسي، وخير الذكر كتاب الله تعالى: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ}[الحديد23] فإذا استيقظ وانتبه لما فاته وجب عليه أن يسرع الخطى، ويستدرك ما فات، ولا تحصل يقظته إلا بالذكر فإن الغفلة نوم ثقيل.

أختي الغالية التي انشغلت طوال الشهر الفضيل بأمور قد تكون مباحة وقد تكون واجبة عليها، لكن لم تراعي فيها ترتيب الأولويات، ولم تجعل لروحها نصيبًا، أبشرك أنه مازالت الفرصة أمامك وما زال الباب مفتوحًا، وما زال الخير ينتظرك، واعلمي أن العبرة بالخواتيم، ورب عمل قليل بإخلاص وصدق يبلغك منازل المقربين، شمري عن ساعد الجد وقولي لن يسبقني إلى الله أحد، شهر الخير والإحسان والبركة لم ينته بعد، ربّ ساعة يفتح الله بها عليك، وتكتبين فيها من العتقاء، رب عمل صالح تفوزي به بالرحمة والمغفرة.

جددي نيتك واحسني في طاعتك ولا تلتفتي لما مضى إلا أن تنوي تحسينه، وارفعي شعار لن يسبقني إلى الله أحد، والعبرة بما سيختم لك من عمل نافع صالح تبتغين به وجه الله.

ولكن نصيحتي بما أنك مررتي بتجربة الفتور والغفلة، وضياع الوقت وعدم التنظيم، ثم الحسرة على التفريط، وقد أيقظ الله في قلبك نور البصيرة، وألهمك رشدك ومحاسبة نفسك قبل دخول العشر الأواخر أفضل الليالي، فلا تضيعي هذا الفضل والخير وتتركيه يمر هباء منثورًا، وتعودي مرة أخرى للتقصير، لأن بعد أيام قلائل لن ينفع الندم، ولن تفيدك حسرة الخسران، فلا تكوني ممن خابت وخسرت حينما أدركت رمضان ولم يغفر لها، واحرصي على التماس ليلة القدر في كل الليالي المقبلة ولا تضيعها، فإن كثيرًا مما تفعليه الآن قد يحتمل التأخير والتسويف، إلا فضل هذه الليلة، وثوابها العظيم، بل عليك السعي والمجاهدة والحرص على اغتنامها، حتى تكوني في زمرة المحتسبين الذين أعد الله لهم الغفران من كل ذنب، بصلاة وصيام وقيام وذكر وقرٱن وصدقة وكلمة طيبة، وكل أفعال البر وما استطعت تأديته، والكف عن معاصي وكل ماينجيك من النار ويقربك من الجنة ويجعلك من أهل الفوز والرضوان الذين امتن الله عليهم بالإفاقة قبل فوات الأوان.