عاجل

المعادلة الصعبة

  • 194
ارشيفية

"معادلة صعبة"

بقلم- نهى عزت


ليست مسألة رياضية مُعقدة ولكنها فهم العلاقات أكثر تعقيدًا، كيف تجمع بين الحسنين؟، بين ثواب الصبر على العلاقات المؤذية، وتحمل منغصات التعامل البشري فتنال الأجر كما جاء في الحديث عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْمُؤْمِنُ الَّذِي يُخَالِطُ النَّاسَ، وَيَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ، أَعْظَمُ أَجْرًا مِنَ الْمُؤْمِنِ الَّذِي لَا يُخَالِطُ النَّاسَ، وَلَا يَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ " صححه الألباني في "صحيح الترمذي"، وبين أن تقي نفسك من كوارث محققة، إن لم تتدارك الأمر وتفهم المطلوب وتعي جيدًا ما هو واجبٌ عليك وما هو مكروه .


إذن هذه العلاقة علاقة إنسانية يدخل تحتها كل الصلات؛ القريبة والبعيدة، الدائمة والمنقطعة، التي تحمل المنافع والمفاسد.


لا ننكر أن ديننا الحنيف أكد على حسن التعامل بين الناس، ووضع القواعد لهذا الأمر، ولمّا علم الشارع أنّ النفوس تميل، فقد نجد من يُخطئ التعامل ولا يفي بالواجب عليه، جعل الخيرية لمن يصبر على هذه الخُلطة، حتى لا تتوقف الحياة، ولإتمام قضاء حوائج البشر، وتبادل المنافع واكتساب الخبرات الذي هو من آكد الأسباب التي جعلها الله بين الإنسانية جمعاء على وجه الأرض منذ الخليقة إلى قيام الساعة {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}.


لكن هل هذه العلاقة يدخل فيها القاعدة الشرعية  "درءُ المفاسد مقدمٌ على جلب المصالح"؟ بمعنى ..


هل إذا كانت هذه العلاقة البشرية علاقة مُرهقة تُسلم في نهايتها إلى شعور بالظلم وحصد افتراءات، قد تصل بالبعض إلى المرض النفسي، وهوان القلب وضعف العزيمة، جراء التعامل الذي يؤدي إلى الخذلان ونقض كل حبال الود، والتمادي في الضغط بغرض من أحبنا فليتحملنا، ومن خارت قواه في مواجهة الصفعات خسر دنياه .


وهل لو أن هذه العلاقات كانت من أُسس مجاراتها الوقوع في المعاصي والآثام، من غيبة ونميمة وأمراض قلوب كغل وحقد وتدخل فيما لا يعني ولا يفيد من خصوصيات، قد تصل إلى تمني الشر والمكروه للغير؟!! وهنا يخسر المسكين آخرته...!


أظن الإجابة واضحة ساطعة كسطوع الشمس في فلق النهار، فهنا نحتاج أن نطبق قاعدة المصالح والمفاسد، ولكن دعونا نُقرنها بقاعدة إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان، والقاعدة الأخيرة هنا اجتُزأت من سياقها عمدًا لتعم علاقة أشمل، فلن نقصرها على إنهاء العلاقة الزوجية بين فردين فقط، لكن نصحبها لتشمل إنهاء علاقة أوسع وأشمل بطريقة أسمى وأقيم، حيث ما قام الود أقام بالمعروف واشتمل على كل خصال البر، وإذا ما وصل إلى نهاية المطاف وانقطع اقتُرن بالإحسان فلا ظلمٌ ولا جور ولا بهتان.

 

نجزم حقًا أن العلاقات في الغالب والأعم لا تكون بين أشخاص صفاتهم واحدة في الآراء والميول وغيرها، بل تجد فيها المُشرّق والمُغرّب، اليمين والشمال، ولا بُد عندها أن يقع التصادم والخلاف ووقتها نجد أن كل هذا يُفسد للود قضية، حيث إن كل طرف يريد الانتصار، وهنا لا يشترط أن نصل في الحكم إلى مُصيبٌ ومخطئ، أو ظالم ومظلوم بل يظل الجميع على خطأ وصواب في نفس الوقت لا يفصل بينهم حاكم في الأرض، فلن يُرضيهم إلا حكم قاضي السموات والأرض...


وإلى حينها .. كيف نصل بهذه "المعادلة الصعبة" إلى بر الأمان ونحللها من التعقيد إلى أبسط الصور من غير ضرر أو ضرار؟


وقتها نقدم السلب على الإيجاب، فنتجنب على قدر المستطاع البسط في العلاقات، ونقوّم بقدر الإمكان ما أمكن تقويمه، ويُصبح السائد هو التسطيح من غير قطيعة مُفجعة، ولا تواصل مذموم نرتع من وراءه في حمى غير مملوكة.


ولا يُنسينا كل هذا أن ما كان لله دام واتصل، وما كان لغيره انقطع وانفصل، وهذا مفاده العلاقات التي لها مقابل، حيث تقوم على التعارف لتبادل المنافع والمكاسب، الكل فيها يرجو الخروج بأكبر فائدة، فعندها يجب فهم "المعاملات الصعبة" فهمًا سليمًا، حتى نصل إلى حلٍ يُرضي جميع الأطراف...


دمتم ودمنا متحابين في الله لا ترهقنا العلاقات، ولا تؤذينا وضع الحدود والعلامات .