عاجل

بمن تعلقت ؟

  • 153
أرشيفيه

جلستُ في غرفتي وحدي، أتفكرُ في أحوالي وما آل إليه أمري، لم يكن في الناسِ مثلي، لقد أكرمني ربِّي، هداني للالتزام بشرعه، وفقني لحفظِ كتابِه وسنَّةِ نبيِّه –صلى الله عليه وسلم–، سخَّر لي الأسباب الموصِّلة، أمَّا صالحة لم تعترضْ يومًا على التزامِي بالشرع وحضوري مجالسِ العلم، وزَوْجًا مُتَدَيِّنًا لم يشكُ يومًا من تقصيري مع أولادي أو في شئون البيت، بل كان دَوْمًا يُعِينُنِي ويَرْعَانِي، ويَسُدُّ الخلل ويُصْلِحُ العيب، وما زالتْ أمِّي تساعدُنِي، تَحْمِلُ عَنِّي أولادي وتحمل هَمِّي، لقد كنتُ أسعدَ الناس، أمَّا الآن فقد تَغَيَّرَ الحال، اضْطُر زوجي للسفر ليعمل في إحدى البلدان، تَصَبَّرتُ وقلتُ في نفسي، مازالت معي أمِّي تساعدني وتحمل همِّي، ولكن بعد أيام مرضتْ أمِّي، فزادَ همِّي، وانهالتْ عَليَّ الأعمالُ والمهام والهمومُ والأحزان، حُزنِي على أمِّي وفِراق زوجي، مسئوليات أولادي وشئون بيتي، كيف سأواجه كلَّ ذلك وحدي؟، فسمعتُ صوتًا من داخلي يُحدِّثني، ألَسْتِ من التزمتِ بالشرع وحضرتِ دروس العلم، أين أثر المواعظ في قلبك؟، أليس عند البلاء يتميز الصادقُ من صاحبِ الادِّعَاء؟ ويظهر مدى تعلق القلب بالله؟



أسرعتُ وتصفحتُ كراستي، فوجدت فيها قوله تعالى: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ}، فقلتُ في نفسي: كيف تعلقتُ بالأسباب وتركت التعلقَ بِرَبِّ الأسباب؟ وقرأتُ قوله–صلى الله عليه وسلم–: "وَاعْلَمْ أَنَّ الأمة لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ"، فمن تعَلَّقَ بالله وأنزل به حاجته وفَوَّضَ إليه أمره كفاه {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ}، فهو الذي يعلم، وهو الذي يرحم، وهو على كل شيء قدير {أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ}، وإذا رَسَخَ هذا في قلبِ العبد فلن يقفَ على بابِ مخلوق مثله؛ يسألُه أو يذلُّ له، مهما عَظُمَ المطلوبُ أو تَسَلَّطَ البلاء. 



فلو عرفتَ رَبَّك حقَّ المعرفة لتعَلَّقَ قلبُك به وحده دون من سواه، إنَّه ملك الملوك، علام الغيوب، أجود من سُئِل، وأوسع من أعطى، ما ذُكِرَ عند خوفٍ إلا أزاله، ولا عند كربٍ إلا كشفه، ولا عند هَمٍّ إلا فرَّجَه، ولا عند ضِيق إلا وسَّعه، ماتعلق به ضعيفٌ إلا قوَّاه، ولا فقيرٌ إلا أغناه، ولا سائلٌ إلا أعطاه، ولا مستوحشٌ إلا آنَسَه، ولا مغلوبٌ إلا أيَّدَه، سبحانه وبحمده بيده ملكوت كل شيء، فعلِّق قلبك بالله، وأخْلِيهِ مِمَّا سِوَاه في جميع أمورك، في رزقك، وفي حفظ أولادك، في هَمِّك وفي تيسير أعمالك، فيما تؤمِّله في مستقبلك وفيما تخشاه "إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللَّهَ, وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ".



لاتجعل قلبك أسيرًا لأحدٍ من الخلق، لا زوج ولا أب، ولا أمٍّ ولا أخت، فإنَّمَا هم عبادٌ لله مثلك، فقراءٌ إليه، والله هو الغني الحميد، فمن التجأ إليه التجأ إلى عظيم، ومن آوى إليه آوى إلى ركن شديد، و تأمَّل إبراهيم الخليل –عليه الصلاة و السلام- لما أوقِدَتْ له النَّارُ، جاءَهُ جبريلُ -عليه السلام- فقال: ياإبراهيمُ ألك حاجة؟ فقال إبراهيم–عليه الصلاة و السلام-: "أمَّا إلَيْكَ فَلا، وأمَّا إلى الله (فحسبي الله ونعم الوكيل)".