هذا الرقم غير موجود بالخدمة

منى المسلماني

  • 182

هل مرّ عليك يوم احتجت فيه لشخص ما فاتصلت به فسمعت رسالة (هذا الرقم غير موجود بالخدمة من فضلك حاول الاتصال مرة أخرى) فكررت الاتصال، فسمعت (الهاتف الذي طلبته ربما يكون مغلقًا)، فكررت الاتصال لشدة احتياجك لذلك الشخص  فسمعت (صافرة) فهمت منها أن الهاتف مشغول بمكالمة أخرى؟ ثم كررت المحاولة وأعدت الكَرّة فوجدته مشغولًا أيضًا؟

 

من فضلك: هل يمكن أن تصف لي شعورك وقتها؟!  لا شك أنك ستشعر بالضيق والاستياء والحزن، وكلما زادت حاجتك لهذا الشخص كلما زاد ضيقك وضجرك وألمك!

 

تخيل لو كان هذا وضع أغلب الآباء مع أبنائهم؟ يحتاج إلى والده فيجده مشغولًا، يبحث عن أمه فيجدها أمام التلفاز ومع الصديقات، يُحدث والده فلا يوليه اهتمامًا، يأخذ رأي والدته فتدير وجهها عنه إعراضًا، بعض الآباء قد يكون وصفه (خارج نطاق الخدمة) في نظر أولاده، كل ما يهمه في الحياة توفير لقمة العيش ويحسب أنه بذلك يحسن صنعًا ولكن هيهات هيهات.

 

لا أقلل من أهمية الإنفاق على الأهل والأولاد فلقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: دينار أنفقته في سبيل الله ودينار أنفقته في رقبة ودينار تصدقت به على مسكين ودينار أنفقته على أهلك أعظمها أجرًا الذي أنفقته على أهلك، لكن لابد أن يعلم الآباء أن  حاجة الأبناء للرعاية والتفهم والتربية أعلى بكثير من حاجتهم للطعام والشراب واللباس، يحتاج الابن لأب يفهمه، ينصت إليه يستشيره، يقتبس من تجاربه وخبراته، يحوطه برعايته ويوكل إليه المهام والمسؤوليات ليصنع منه رجلًا .

 

تحتاج الابنةُ إلى أم تحتضنها، تقبلها تضمها، تصاحبها، تسمعها وتحل مشكلاتها، لتبني للأمة صانعة الرجال ومربية الأجيال.

 

لاشك أن مشاغل وأعباء الحياة كثيرة ومتشعبة لكن أولادنا هم الهدف الرئيسي الدافع لنا للسعي في الحياة، فلا تركز على الوسيلة وتنسَ الغاية والهدف فتجد نفسك وقد ضاع عمرك وتباعدت المسافة بينك وبين أبنائك فتندم.

 

استعن بالله وكن أنت الوالد الذي إذا تذكره أولاده يقولون "رحم الله أبي ترك في حياتنا بصمات وله معنا أجمل الذكريات ومهما عشنا فلن ننساه فصنيعه قد حفر في قلوبنا أعظم الأثر فنحن الآن نعيش في ظلمات الحياة   بالنور الذي صنعه لنا ونعبد الله ونحافظ على الصلاة لنكون قرة عين له في الحياة نجتهد في رد الجميل استشعارًا لقوله تعالى (هل جزاء الإحسان إلا الإحسان).

 

كن أنت الأب القدوة الذي يتعلم الأولاد من لحظه قبل لفظه، كن أنت الأب صاحب الرقم الأعلى والرصيد الأوفر في قلوب  أبنائه، كن أنت الأب الفارق الذي إذا غاب فُقد وإذا حضر أثّر، وكوني أنت الأم الودودة الحنونة، تطبيقًا لحديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: خير نساء ركبن الإبل صالح نساء قريش أحناه على ولد في صغره وأرعاه على زوج في ذات يده.

 

أيها الوالد الكريم لا تجعل أولادك يبحثون عن مكان دافئ يختبؤون فيه إذا ما شعروا بزمهرير الحياة وبرودة الدنيا بعيدًا عنك، لا تجعل أولادك يشعرون بالوحشة والغربة وأنت ما زلت حيًّا وتعيش بينهم لكن عاطفة الأبوة ما سرت إليهم عبر حبال المودة والرحمة ذات يوم، لا تكن الأب الحاضر الغائب ،ولا تجعل يوم جلوسك في البيت ويوم غيابك لدى أولادك سواء، وتذكروا: كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته.